أو لا يصحّ له ذلك التّوهّم ، لامتناع مرور ممتدّ بالذّات ولو وهمىّ بهما أصلا. فلا محالة كان ذلك المعنى المطلق بالإرسال من هذا التّقييد وعدمه قدرا مشتركا بين السّبق بالدّهر والسّرمد وبين السّبق بالزّمان.
فهذا غاية ما يتجشّم من قبلهم ، إلاّ أنّ هذا الإهمال منهم ليس على سنن المحصّلين ؛ فإنّ تحصيل معنى ما مشترك بين نوعين من السّبق متباينين بالحقيقة ومتخالفين بالخواصّ والأحكام ، لا يسوغ إسقاطهما عن اللّحظ ، وعدّ المعنى المشترك نوعا واحدا.
أليس أنّ السّبق ـ بالذّات ـ ، وهو سبق المفتاق إليه على المفتاق سبقا عقليّا ـ معنى مشترك بين السّبق بالعليّة وبين السّبق بالطبع ، بل وبين السّبق بالماهيّة أيضا ، ولم يكن من السّائغ عزل اللّحظ عن اعتبار تلك الأنواع المختلفة ، وعدّ ذلك المعنى المحصّل المشترك نوعا واحدا.
وأيضا ، إنّهم حين حاولوا بتهوّساتهم أن يثبتوا تسرمد الوجود فى وعاء الدهر للمعلولات الإبداعيّة. وعند محاولة إثبات وجود الزّمان وفى كثير من المقاصد الفلسفيّة بنوا تبياناتهم على أنّ السّبق الّذي لا يمكن بحسبه السّابق والمسبوق ليس يتحقق إلاّ بحسب الوقوع فى افق الزّمان ، وليس معروضه بالذّات إلاّ أجزاء الزّمان ، وبالعرض إلاّ ما يتحصص وجوده بالوقوع فى زمان ما.
وبالجملة ، اصولهم متدافعة وتبياناتهم متصادمة وإن كانوا قد استشعروا التّقدّم السّرمديّ الّذي هو بإزاء المعيّة الدّهريّة. فإذا قيل لهم : تعالوا إلى سبيل الحكمة ، رأيتهم يستنكرون الحقّ وهم شاعرون.
<٣> فصّ
إنّى لست أستصحّ إرسال التّقدّم الزّمانىّ بحيث يصحّ أن يطلق على ما يجب تنزيه المبدأ الحقّ ـ سبحانه ـ والمفارقات المحضة عنه ، وهو التّقدّم الزّمانىّ وعلى ما يتصف به البارئ الأوّل ـ تعالى ـ وهو التّقدّم بالدّهر والسّرمد ، كما يتجشّمه من