يرسمها الآن السيّال فى افق التّغيّر ، فليس بدّ من أن يتعيّن بعضها بالقبليّة الزمانيّة الّتي هى بعينها هويّة ذلك البعض وبعضها بالبعديّة الزّمانيّة الّتي هى بعينها هويّة هذا البعض ، فيتحقق هناك سبق رتبىّ بحسب القرب من آن محدود من الآنات المفروضة وسبق زمانىّ بحسب الحصول الغير القارّ فى افق التّغيّر والارتسام التّدريجىّ من الآن السّيّال. فلعلّ هذا هو وجه الحقّ وكنه الحكمة فى هذه المسألة.
<٩> وهم وتنبيه
أرأيت صاحب المطارحات كيف أنّه ازداد وغولا فى الفساد بالذّات. وهو الّذي ليس إلاّ أجزاء الزّمان إلى التقدّم بالطبع ، بل أرجع التّقدّم بالرّتبة والتقدّم بالشّرف إلى التقدّم بالزّمان. فهما أيضا يرجعان أخيرا إلى التّقدّم بالطبع. أمّا التّقدّم الرّتبىّ فلأنّ زمان التلبّس به قبل زمان التلبّس بالمتأخّر ، فإنّما معناه ذلك لا غير.
فقولنا : بغداد قبل البصرة ، مثلا ، إنّما يصحّ بالنّسبة إلى القاصد المنحدر ، وليس معنى ذلك إلاّ أنّ زمان وصوله إلى بغداد قبل زمانه إلى البصرة. وأمّا القاصد المصعد فبالعكس. وليس أحدهما قبل الآخر بذاته ولا بحسب حيّزه ومكانه.
فإذن ، إنّما القبليّة بحسب الزّمان ، وليس الأمر كما يقال : إنّ تقدّم الحركة على الحركة إنّما يكون بسبب تقدّم المسافة على المسافة ؛ فإنّ الحركتين بالتكرار فى مسافة واحدة ، يتقدّم إحداهما على الاخرى مع إتمام المسافتين.
ثمّ الرّتبىّ الطبيعىّ لا مسافة فيه ولو بأحد طرفى السّلسلة متقدما لا فى ذاته ، بل باعتبار الأخذ. فإذا ابتدأ من الابتداء وفى تغيّر الأعلى متأخرا فظاهر أنّ هذا الابتداء ليس مكانيّا ، بل إنّما هو ابتداء بحسب شروع زمانىّ ، فللزمان فيه مدخل.
وأمّا التقدّم الشّرفىّ ففيه أيضا تجوّز ؛ لأنّ صاحب الفضيلة ربّما يقدّم فى الامور أو فى منصب الجلوس ؛ ولا معنى لتقدّمه بالشّرف إلاّ ذلك. فإن اعتبر الأوّل رجع ذلك إلى التقدّم بالزّمان وإن اعتبر الأخير رجع إلى التّقدّم الرّتبىّ الوضعيّ ، وهو