<١١>حسم ظنّ
أرأيت بعض حملة عرش التّحقيق فى شرح الإشارات كيف يتأسّى بصاحب المطارحات فيقول : التّأخّر الذّاتىّ بالمعنى المشترك بين التّأخّر بالطبع وبين التّأخّر بالعليّة هو تأخّر حقيقىّ ، وما سواه فليس بحقيقىّ ؛ لأنّ المتأخّر بالزّمان أو بالمرتبة والوضع أو بالشّرف يمكن أن يصير بالفرض متقدّما. وهو هو ؛ لأنّ المقتضى لتأخّره هو أمر عارض لذاته. وأمّا المتأخّر بالذّات فلا يمكن أن يفرض متقدّما ، وهو هو ؛ لأنّ المقتضى لتأخّره هو ذاته لا غير.
ولهذا خصّه الشّيخ : بأنّه الّذي يكون باستحقاق الوجود ولا يستشعر أنّه : إن عنى بالمتأخّر بالزّمان بعض مقارنات الزّمان من الزّمانيّات فليس تأخّره بالزّمان إلاّ مجازا عقليّا ، والمتأخّر تأخّرا زمانيّا بالحقيقة هو زمانه المتخصّص هو بالوقوع فيه ؛ وإن عني به بعض الأزمنة فتأخّره عن بعض آخر تأخّرا زمانيّا مقتضى ذاته وهويّته. كما أنّ تقدّم ذلك البعض الآخر تقدّما زمانيّا مقتضى ذاته وهويّته ، فلا يمكن فرض المتأخّر متقدّما والمتقدّم متأخّرا ، وهما هما بعينهما.
وإنّما ظنّ صاحب المطارحات هذا الظّنّ ، بناء على ما حسب ، من أنّ المتقدّم والمتأخّر للأزمنة إنّما هما التقدّم والتأخّر بالطبع ، لا التّقدّم والتّأخّر بالزّمان. وقد استبان لك فساده. فهذا الظنّ إنّما يصحّ فى المتأخّر بالزّمان على التّجوّز ، لا فى المتأخّر بالزّمان بالحقيقة ؛ فإنّه متأخّر بنفس ذاته وهويّته ، لا بزمان آخر هو فيه.
ثمّ إنّ إمكان فرض المتأخّر بالمرتبة أو بالشّرف متقدّما ؛ وهو هو بعينه ، إنّما يستلزم أن يكون ذلك التّأخّر اعتباريّا لاحقا للهويّة بحسب بعض الاعتبارات اللاّحقة لها ، لا ذاتيّا لازما ، بحسب ما يقتضيه نفس ذات الهويّة ، ولا يستوجب أن يكون هو تأخّرا على المجاز ، لا تأخّرا بالحقيقة.
وأمّا تخصيص الشّيخ : التأخّر الذّاتىّ بأنّه الّذي يكون باستحقاق الوجود فإنّما المعنىّ به الإيذان (١٨٣) بأنّ هذا التّأخّر هو الّذي يكون بحسب العلاقة الذّاتيّة الافتياقيّة ، ولا كذلك سائر التأخّرات.