<٩> تلويح وكشف
كأنّك إذن بما أصغيت إليه بصماخ عقلك متحدّس أنّ بقعة العدم بجملة ما وسعته سلب بسيط متّصل ، لا فيه انفصال ولا تميّز ، ولا فى الواقع أعدام متمايزة لمعدومات متغايرة ، ولا حصص من السّلوب متكثّرة لمسلوبات متعدّدة. وكما أنّ المعدوم فى ظرف ما ليس هو بشيء فى ذلك الظّرف ، كذلك العدم فى ظرف ليس شيئا فيه. وإنّما التّمايز فى الأعدام من جهة أنّ العقل يتصوّر أشياء يضيف إليها مفهوم العدم ، فتتقوم حصص بالإضافة يقال لها أعدام لمعدومات متكثّرة عند العقل. والعدم فى نفسه معنى بسيط واحد لا يتحصّص إلاّ بالإضافة ولا يتكثر إلاّ بتكثّر موضوعات متمايزة فى الذّهن.
فالعقل يتصوّر العلّة والمعلول والشّرط والمشروط والضّدّ والضّدّ ، وينسب مفهوم العدم إليها ، فيحصل عنده عدم العلّة متميّزا عن عدم المعلول ومختصّا من جملة الأعدام بالعليّة له ، ويتميز عدم الشّرط عن عدم المشروط وعدم سائر الأعدام ، ويختصّ بأنّها تنافى وجود المشروط. وكذلك عدم الضّدّ يتميّز ويصحّ أنّه يصحّح وجود الضّدّ الآخر.
وأمّا مع عزل النّظر عن لحاظ العقل فلا يتميّز عدم عن عدم ، بل ليس عدم وعدم ومعدوم ومعدوم أصلا والوهم يجد اليد ، مثلا ، ممتازة عن الرّجل فى الأعيان ، فيغلط ويقول : عدم اليد غير عدم الرّجل فى الأعيان. ولو كان الأمر كما يحسبه الوهم لكان فى كلّ شيء أعدام متضاعفة إلى لا نهاية وسلوب غير متناهية مرّات لا متناهية. فإذا كان زيد فى الدّار ، مثلا ، كان فى الدّار أعدام متمايزة لا متناهية مرّات متضاعفة إلى لا نهاية.
وبالجملة ، الحكم بالتّميّز فى أفق العدم من جهالات الموهم ، وإنّما تمايز الأعدام بالملكات فى حكم العقل بما هى ثابتة فى الذّهن ، لا بما يصدق عليها العدم وتنتفى بها الملكات.