فإذن ، التّسلسل فى العدمات إنّما يقال بمعنى اللاّنهاية اللاّيقفيّة ويرجع إلى التّناهى العددىّ ، ولكن على أن لا يتعيّن التناهى بمرتبة بخصوصها ولا يتحدّد الانتهاء بالوقوف على حدّ بعينه ، بعد أن تنحفظ طبيعة التّناهى بحسب العدد ؛ فإنّ الواقع فى وعاء العدم ريثما يعلّل عدم بعدم ، كعدم العنقاء ، مثلا ، بعدم علّته ، وعدم علّته بعدم علّة علّته ، إلى حيث يلحظ العقل هو أن ليس هناك شيء ، والعقل يفصّل هذا اللّيس إلى عدم هذا وعدم ذاك تفصيلا يشبه تفصيل المتّصل الواحد إلى هذا الجزء وذاك الجزء.
فكما أنّه ليس فى المتّصل الواحد كثرة فى نفس الأمر وإنّما تحصل الكثرة باعتبار العقل ؛ فكذلك ليس فى اللّيس المذكور كثرة فى نفس الأمر وإنّما يلحق التكثّر فى اعتبار العقل.
وكما أنّ بعد حصول الكثرة يصحّ الحكم بالتقدّم والتأخّر بين تلك الأجزاء بحسب المكان فكذلك بعد لحوق التكثر يصحّ الحكم بالتّقدّم والتأخّر بين تلك العدمات بالعلّيّة والمعلوليّة.
وكما أنّ اللاّنهاية فى الأجزاء بمعنى عدم تعيّن الانتهاء بالوصول إلى جزء لا يمكن فرض جزء آخر فيه ، لا بمعنى فعليّة أمور غير متناهية بحسب العدد ، فكذلك التّسلسل فى الأعدام بمعنى عدم الانتهاء إلى عدم لا يصحّ للعقل اعتبار عدم آخر يتقدم عليه بالعلّيّة ، لا بمعنى ترتّب أمور غير متناهية.
ففى كلّ ليس مفروض معتبر مع علله المفروضة ليس إلاّ ليس واحد غير متكثّر بل ليس فى الليس إلاّ ليس واحد غير متكثّر على معنى أنّه ليس تحقّق شيء ما (٣٥) لا أنّه يتحقّق ليس ، فإنّه ليس فى نفس الأمر شيء هو عدم ؛ ولذلك لا يجاب عنه بشيء فى سؤال ما هو. فإذن مرجع عروض العدم إلى عدم عروض الوجود ، وعدم عروض الوجود ليس بعروض فرد من العدم.