معدوم (٣٦) ، والمقابل له هو عدم العدم الّذي تحصّصه بالعدم سابق على العروض ويصير بعد اعتبار عروضه له عدم العدم ومعروضه موجود ، فالمعنيان متغايران.
ولا يتوهّم : أنّ معروض الأخير إن لم يتّصف بالعدم المطلق تحقق المقيّد بدون المطلق وإن اتّصف به كان موجودا ومعدوما ، لأنّه متّصف به ، بمعنى أنّه سلب عنه شيء ما ، والمعدوم بهذا المعنى لا يقابل الموجود ، إنّما المقابل له هو بمعنى ما سلب عنه الوجود ، ويعترف بعدم حسمه لمادّة التّشكيك. إذ لو قيل : «إنّ عدم العدم الّذي تخصّصه بالعدم سابق على العروض عدم مقيّد بقيد ، فيكون نوعا منه ولا يجتمع مع العدم فى موضوع فيكون مقابلا له» ، لتأتّى.
ثمّ نقول : الحقّ أنّ هذا المقيّد من حيث إنّه عدم مقيّد بقيد مع قطع النّظر من خصوصيّة القيد نوع منه ومن حيث إنّه رفع للعدم مقابل له. فالمنظور إليه فى الاعتبار الأوّل هو كونه عدما مقيّدا بقيد وفى الاعتبار الثّاني هو كونه رفع العدم وسلبه. فالموضوع مختلف بالاعتبار. كما يقال ، مثلا فى معالجة الشّخص نفسه : إنّه ، من حيث إنّه معالج ، غيره من حيث إنّه مستعلج. فالمؤثّر النّفس من حيث ما لها من ملكة المعالجة ، والمتأثّر هى من حيث ما لها من قبول العلاج. وفى علم النّفس بذاتها إنّها من حيث حضور مجرّد عندها عالم ، ومن حيث إنّها مجرّد حضر عند مجرّد معلوم ؛ فموضوع العالميّة يغاير موضوع المعلوميّة بالاعتبار.
ولا يستشعر أنّ المقيّد باعتبار مطلق التقييد مع عزل النّظر عن خصوصيّة القيد إذا كان نوعا من العدم بمعنى الأخصيّة منه كان باعتبار الخصوصيّة أحرى بأن يكون كذلك. ونوعيّة الأوّل بالقياس إلى طبيعة العدم غير مدافعة لأن يكون الثّاني أيضا نوعا منه ، بل محقّقة لذلك.
ثمّ كيف يسوغ أن يظنّ أنّ علم المجرّد بذاته ممّا يحوج إلى تكثّر جهة تقييديّة فيه على أن يكون فى ذاته شيء بإزاء العالميّة وآخر بإزاء المعلوميّة ، ولا يتجشّمه من يعدّ من ذوى التّحصيل فى الصّناعة ، فضلا عن أن يرتضيه من فى نفسه قوّة