لذات واحدة ولا حصولان لحقيقة بعينها. فإذن لا توجد ذات بعينها مرّتين ولا تفقد حقيقة بخصوصها فقدتين.
فالمعدوم لا يعاد بعينه حتّى تبطل ذاته المستمرّة ، ثمّ تتقرّر مرّة اخرى على الاستيناف وهى تلك الذّات المبتدأة ، فالباطلة بعينها. كيف وإذا كانت الذّات هى تلك بعينها كان الوجود ـ وهو نفس صيرورتها المصدريّة ـ هو ذاك بعينه ، فكان الوجود المستأنف بما هو مستأنف هو الوجود المبتدأ بما هو مبتدأ بعينه. كما الذّات المستأنفة بما هى مستأنفة بعينها هى الذّات المبتدأة بما هى مبتدأة ؛ إذ ليس الوجود إلاّ وقوع تلك الذّات وهى هى بعينها.
فلو تغاير الوجودان والذّات هى تلك ، كان للوجود تكثّر لا بالموضوعات ، وتخصّص لا بالإضافة ، فلم تكن طبيعة الوجود (٤١) نفس موجوديّة الذّات وحصولها بل معنى ما به الحصول ، وقد كان أبطله استقصاء الفحص من قبل. وكذلك القول فى العدم إذا كانت الذّات لا تأبى أن تبطل تارة اخرى من بعد استيناف الوجود.
ثمّ إن أمكن ذلك بالنّسبة إلى الذّات لم يكن فى طباع الذّات مبدأ استيجاب أن يقف ذلك على حدّ بعينه. فلم تأب الذّات أن تتقرّر ثمّ تبطل ثمّ تتقرّر على الاستيناف وهى هى تلك بعينها ، ثمّ تبطل ، ثمّ تتقرّر باستيناف الاستيناف ، وهكذا إلى لا نهاية ؛ إذ لم يصحّ حسم ذلك فى شيء من المراتب المتضاعفة بعد إساغته أوّلا. وهل تلك إلاّ فاحشة عقليّة لا يستحلّها إلاّ من رضيت نفسه بأن تنسلخ عن طباع الإنسانيّة.
<١٧> وهم وتاصيل
لعلّك تقول : إنّ كثيرا من الأشياء الزّمانيّة ما هو معدوم ثمّ يوجد ثمّ ينعدم ، فيكون عدمان لذات واحدة ، مع أنّ شاكلته شاكلة الوجود فى أنّه معنى بسيط وحدانىّ لا يتعدّد إلاّ بالإضافة إلى متكثّرات وقد جعلت سبيلهما واحدا فى امتناع الاستيناف لذات بعينها. فإذا جاز فى العدم ذلك فليجز فى الوجود أيضا أو ترجع عن الحكم