فى وعاء الدّهر إلاّ سابق ومسبوق فقط ، لا سابق على مسبوق يمكن أن يصير سابقا على ثالث ؛ فإن ذلك من خواصّ وعاء الزّمان الّذي هو أفق التّقضّى والتّجدّد.
وهذه الاستحالة ممّا لا اختصاص له بطبيعة الزّمان ، بل الموجودات كلّها سواسية فيها ، لا من حيث الماهيّة ، بل بحسب اقتضاء وعاء الدّهر. وكذلك يمتنع على الممتنع بالذّات العدم المسبوق بالوجود ، ولا يصادمه الامتناع الذّاتىّ ، بل هو الّذي استحقّ ذلك واستوجبه.
فإذا تعرّفت ذلك ، فاعلمن : أنّ امتناع العود ، أى استحالة وجود الشّيء الشّخصىّ المعدوم بالعدم المسبوق بوجوده بعينه ، من لوازم ماهيّات الهويّات الشّخصيّة قاطبة ؛ إذ يمتنع ذلك على الماهيّة لذاتها ، ولا يخرج هى عن حدّ طبيعة الإمكان ومن خواصّ أفق الزّمان أيضا ؛ إذ لا يتصوّر بالنّظر إلى ماهيّة الزّمان عود جزء منه ، أى وجوده فى حدّ آخر غير ما هو حدّه. وبالجملة ، وجوده مرّتين أو مرّة واحدة فى غير حدّه.
وإنّ إعادة الهويّة الشّخصيّة المتخصّصة بجزء ما من الزّمان بعينها المستلزمة لإعادة زمانها بعينه. كما أنّ امتناع العدم المسبوق بالوجود المسبوق بالعدم سبقا دهريّا أو الوجود المسبوق بالعدم (٤٦) المسبوق بالوجود ذلك السّبق بالنّسبة إلى الأشياء مطلقا ، فضلا عن الهويّة الشّخصيّة بعينها من خواصّ وعاء الدّهر فقط ، أى : لا من لوازم الماهيّات أيضا ؛ إذ لا يتصوّر بحسب وعاء الدّهر سابقيّات ومسبوقيّات مترتّبة ، بل إنّما سابقيّة واحدة ومسبوقيّة بإزائها فقط.
فعود المعدوم بعينه يمتنع من سبيلين : عدم إمكان ذلك بالنّظر إلى الماهيّة وإباء وعاء الزّمان بطباعه عن ذلك ، وينشأ ذلك من خصوص تقييد الوجود بكونه بعد العدم بعد الوجود.
فإذن ، إمّا أن يؤخذ الشّيء بعينه من حيث هو هو ، ويقال : إنّ طباعه يقتضي امتناع ذلك الوجود بالنّظر إليه ، ويؤخذ الشّيء المعيّن الشّخصىّ من حيث هو معدوم بعد الوجود ، ويقال : هو باعتبار التّقييد بهذه الحيثيّة ممتنع الوجود المقيّد ببعد العدم.
وذلك الامتناع ليس لماهيّة ولا لأمر يزول عن ماهيّة ، بل هو لازم للماهيّة