الموصوفة بالعدم بعد الوجود ؛ وليس فى ذلك خرق لما يقتضيه طباع الإمكان ، وإنّما خرق طباع الإمكان أن يجب بالنّظر إلى ذات الممكن وجود ما على الإطلاق أو بخصوصه أو الوجود فى وقت ما على الإطلاق أو بخصوصه ؛ فإنّ ذلك موجب أن يحصل له بذاته دائما ذلك الوجود أو الوجود فى ذلك الوقت. وأمّا اقتضاء امتناع وجود أو عدم بخصوصه فلا صادّ عنه ، بل ربما يسوق إليه الفحص. فإذن ، المعدوم بعد الموجود يمتنع أن يحكم عليه بصحّة العود.
وتشكيكهم ـ بأنّ الحكم على الممتنع بأنّه لا يصحّ الحكم عليه حكم عليه ، فيكون متناقضا ـ قد كنّا أسلفنا فكّ العقدة فيه : بأنّ الحكم على ما يمتنع وجوده ممتنع من حيث كونه ممتنعا ، وممكن من حيث كونه متصوّرا من جهة الامتناع ، ولا تناقض بعينهما ، لاختلاف الموضوعين.
وقد قاس بعض نفاة الحقّ المتّسمة بالمتكلّمين إعادة المعدوم على التّذكّر ، فقال : المتصوّر بعد زواله وعوده فى الذّكر قد يكون واحدا ، فالمعدوم كذلك يعاد.
وذلك باطل ؛ لأنّ التّذكّر لا يتصوّر إلاّ مع بقاء المتذكّر فى الذّهن وتخلّل العدم بين الالتفات الأوّل إليه والالتفات الثّاني ، فلا يكون هناك حصولان ، فضلا عن الإعادة ؛ وهاهنا لم يمكن أن يكون شيء باقيا ، على أنّ الواحد هناك هو المعلوم ، لا العلم به ، أى : الصّورة الذّهنيّة بما هى علم ، ووحدة المعلوم لا تستلزم وحدة العلم. أفليس أنحاء العلوم بمعلوم واحد متكثّرة؟
<٢٠> تحديد
امتناع العود ـ لدينا وفى حكمتنا الّتي يشبه أن تكون هى طبخ الفلسفة فى نضج هذه المسألة ـ معناه : امتناع أن يكون لشيء بعينه وجودان فى زمانين يتخللهما زمان ليس هو فيه موجودا ؛ لا امتناع أن يوجد الشّيء بعينه بعد عدمه فى دعاء الدّهر بعد الوجود ؛ فإنّه يرجع إلى ادّعاء الامتناع لحصول شيء على تقدير حصول شيء آخر هو ممتنع فى ذاته ؛ إذ ليس يتصوّر ارتفاع الوجود عن وعاء الدّهر أصلا ، وإنّما