بالشيء على ما هو به ، لا أنّه يصير على ما هو به بالعلم ، وأنّه كالدلالة والصدق في هذا الوجه. وبيّنا أنّ القول بخلافه يوجب زوال الذمّ والمدح عن الفاعل في الحسن والقبيح من حيث يجب كونه مضطرّا إلى فعلهما ؛ لعلم العالم بوقوعهما ، ويوجب كون القديم تعالى على ما هو به لمعلومنا ، وأن يكون العالم منّا جعله كذلك ؛ وفي هذا من الجهالات ما لا خفاء به. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع كون العبد قادرا على قتل غيره ، وإن جعل الله أجله مؤخّرا عن ذلك الوقت ، لأنّ علمه تعالى بأنّه يعيش مائة سنة ، أو نصبه الدلالة على ذلك ، أو كتبه ذلك في اللوح المحفوظ على جهة المصلحة للملائكة ، لا يخرج القادر من أن يكون قادرا على نقض بنيته من قبل ، كما لا يخرج ذلك القديم تعالى من أن يكون قادرا على إماتته من قبل (ق ، غ ١١ ، ٥ ، ١٣)
ـ إنّ من حقّ القادر أن يصحّ الفعل منه على الوجه الذي يصحّ وجوده عليه ؛ لأنّ الإيجاد من جهته كالفرع على صحّة وجوده في نفسه ، ولذلك نحيل كونه قادرا على الشيء إذا استحال وجوده في نفسه. وهذه القضيّة مستمرّة في الشاهد والغائب ، فلذلك أثبتناه تعالى قادرا لم يزل. وإن استحال وقوع الفعل منه على وجه يصحّ وصفه بأنّه في الثاني أو في الثالث ولا ينقض ذلك كونه قادرا ، كما يصحّ أن يقدر أحدنا على ما يفعله بعد سنة ، وإن استحال وجوده في الأمقاط قبله ، ولا ينقض ذلك كونه قادرا. وليس كذلك العلّة ؛ لأنّ وجودها ولا (أثر لها) يوجب الحكم بنقض كونها علّة ؛ من حيث وجب فيها أن تكون موجبة (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ١٦)
ـ إنّما صحّ لنا القول بأنّ القادر ترد عليه الموانع والآفات فيتعذّر عليه ما لولاه كان يتأتّى منه من حيث بيّنا أنّ صحّة وجود الفعل كما تفتقر إلى كونه قادرا فكذلك تفتقر إلى ألّا يكون هناك ضدّ هو أولى بالوجود منه أو ما يجري مجراه ، فإذا طرأ عليه ما هذه صفته لم يمتنع أن نثبته قادرا ونحكم بتعذّر الفعل عليه (ق ، غ ١١ ، ٣٢٥ ، ٣)
ـ إنّ القادر منّا قد يجب فيه الثبات على بعض الأفعال ، إذا استمرّت به الدواعي في الثبات عليه. وقد يجب أن لا يختار إلّا بعض ما يقدر عليه ، لأمر يرجع إلى الدواعي. وقد بيّنا ، أن ذلك غير ممتنع في القادر ، لأنّه إذا جاز أن يبلغ إلى حدّ الإلجاء فلا يجوز أن يقع منه خلافه ، وإن كان مقدورا له. ويصير كالممنوع من حيث كان بالإلجاء محمولا على الفعل ، أو في حكم المحمول. فكذلك لا يمتنع أن تقوى دواعيه ولا يبلغ حدّ الإلجاء ؛ فلا يختار إلّا ما تعلّقت به تلك الدواعي ، وإن كان قادرا على غيرها. وبيّنا أنّ القول بوجوب اختياره لذلك لا يصحّح القول بالطبع ، لأنّه يصحّ أن تتغيّر دواعيه ، ويقابلها غيرها ، فيتغيّر حاله في الفعل (ق ، غ ١٢ ، ١٢٨ ، ٨)
ـ إنّ من حق القادر أن يجوز أن لا يفعل مقدوره ، شاهدا كان أو غائبا (ق ، غ ١٢ ، ٢٥٧ ، ٧)
ـ يقول (الجاحظ) في النظر : إنّه ربما وقع طبعا واضطرارا ، وربما وقع اختيارا. فمتى قويت الدواعي في النظر ، وقع اضطرارا بالطبع ؛ وإذا تساوت ، وقع اختيارا. فأمّا إرادة النظر ، فإنّه مما يقع باختيار ، كإرادة سائر الأفعال. وهذه الطريقة دعته إلى التسوية بين النظر والمعرفة ، وبين إدراك المدركات ، في أنّ جميع ذلك يقع