وكل ذلك يبيّن أنّ ما يشترطه ، في هذه الأدلّة ، لا بدّ منه ؛ لأن التعلّق معه يحصل ، أو له تأثير في وجه الدلالة (ق ، غ ١٥ ، ١٥٦ ، ١٠)
ـ اعلم أنّ كل قادر ، بما يعلمه العاقل أنّه قادر مميّز ، فإنّه يقدر على إيجاد الأفعال على كل وجه : من قبح ، وحسن ، ووجوب ، وغير ذلك. وكل قادر ، فإنّا نجوّز منه فعل الحسن ، إلّا من أخبر الله ورسوله بأنّه لا يفعله. فأمّا القبيح فإنّ الله تعالى لا يفعله لحكمته. ولا تفعله ملائكته ، لأنّها معصومة منه (ب ، م ، ٣٧١ ، ٣)
ـ إذا علّلنا بأنّ الفاعل فعله فإنّما نعلّله بكونه قادرا عليه ، فنقول إنّ الفاعل لمكان كونه قادرا عليه أوجده. وكونه قادرا عليه غير حدوثه ووجوده (ن ، د ، ٢٩ ، ١٤)
ـ أمّا إذا كان تأثير القادر في المقدور على سبيل التصحيح والاختيار لا يجب ، فكيف ولو كان تأثير القادر في المقدور على سبيل الإيجاب لخرج القادر من أن يكون قادرا ، ولخرجت العلّة من أن يكون لها تأثير أيضا ، لأنّ العلّة أيضا فعل من أفعال القادر ؛ فإذا لم يكن للقادر تأثير فكيف يكون للعلّة تأثير ، مع أنها فعل من أفعاله؟ (ن ، د ، ٣٠ ، ٣)
ـ كون القادر قادرا لا يتعلّق إلّا بالإحداث وما يتبعه ، وكون الجسم مجتمعا أمر زائد على الإحداث وما يتبعه. ولأنّ هذه الصفات (كون الجسم مجتمعا مفترقا) لو كانت بالفاعل لما ثبتت في حال البقاء لفقد الحدوث في حال البقاء. وقد ثبت أنّ تأثير القادر لا يتعدّى عن الإحداث وما يتبعه ، لعلمنا أنّ هذه الصفات لا تتعلّق بالفاعل (ن ، د ، ٥٠ ، ١٣)
ـ إنّ القادر على المسبّب يقدر على السبب ، كما أنّ القادر على السبب يقدر على المسبب. ألا ترى أنّ الواحد منا لمّا كان قادرا على العلم كان قادرا على النظر ، ولما كان قادرا على الكون والصوت كان قادرا على الاعتماد الذي يولّدهما ـ وفي علمنا بأنّ الواحد منا لا يقدر على الجوهر دلالة على أنّ الجوهر لا يولّد الكون (ن ، د ، ٨٦ ، ٣)
ـ كون الذات قادرا يظهر بصحة الفعل منه ، ثم يجوز أن يقدر ولا يصحّ منه الفعل لمانع. وكذلك صفات الأجناس إنّما تظهر بصفات مقتضاة عنها ، ثم يجوز أن لا تحصل المقتضاة ، لأنّها مشروطة بالوجود ، ومع ذلك فإنّ هذه الأجناس تحصل على صفاتها في العدم (ن ، د ، ١٧٣ ، ٣)
ـ إذا قلنا في القادر إنّه يجوز منه كل واحد من الضدّين على معنى أنّه يقدر على كل واحد منهما ، ليس في هذا ما يجب أن يكون جامعا بينهما في الوجود ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، كما يلزم ذلك إذا قلنا إنّه يفعلهما جميعا (ن ، د ، ٢٤١ ، ٤)
ـ إنّ من حق القادر أن يكون قادرا على الشيء وعلى جنس ضدّه ، إذا كان له ضدّ ، وهذا أيضا لا شبهة فيه في القادر لذاته ، وإنّما الخلاف في الواحد منا. ولا يكون كذلك إلّا ويجب أن يكون كونه قادرا متقدما على مقدوره ، فهذا يوجب تقدّم المحدث على هذه الحوادث ، ومع تقدّم الغير على هذه الحوادث لا يصحّ وصفها بأنّها لا أوّل لها (ن ، د ، ٢٧٢ ، ٤)
ـ أوّل ما يحصل العلم به من صفاته إنّما هو كونه قادرا ، فإنّه يستدلّ عليه بالفعل أو بصحّته ، وأمّا ما عدا ذلك من صفاته ، فمما لا يحصل العلم به ابتداء وإنما يحصل العلم به بعد العلم بكونه