ـ أوّل ما يمكن العلم به من صفات الله تعالى كونه قادرا ، لأنّ ما دلّ على أنّه المحدث للعالم دلّ على أنّه قادر. ألا ترى إنّا إنّما نعلم أنّه محدث لوقوع الأجسام وغيرها منه لوقوعه مطابقا لقصده وما يجري مجرى الداعي له ، ونفس هذا هو الدالّ على أنّه قادر ، فلهذا صار أوّل ما نعلم من صفاته تعالى كونه قادرا. ولا بدّ من أن تكون هذه الصفة معقولة ليصحّ إثباتها لله عزوجل ، لأنّ إيراد الدلالة على إثبات الشيء فرّع على كونه معقولا في نفسه. وعلى هذا قلنا" للمجبرة" : إنّكم بقولكم إنّ أفعال العباد مخلوقة فيهم من جهة الله شدّدتم على أنفسكم طريق العلم بأنّ أحدنا قادر ، فلم يصحّ منكم إثباته تعالى قادرا (ق ، ت ١ ، ١٠٣ ، ٣)
ـ جعلنا كون القادر قادرا من يختصّ بحال لكونه عليها يصحّ منه الفعل إذا لم يكن منع ، وهذا هو مدلول الدلالة على أنّه قادر. فأمّا الدلالة على أنّ القادر قادر فهي صحّة الفعل منه ، وهذه الصحّة وإن لم يمكن العلم بها إلّا بعد العلم بالوقوع فهي الوجه في الدلالة دون الوقوع ، حتى لو أمكن العلم بها من دون العلم به لكانت دليلا ، ولهذا يراعى الفرق في ذلك بين من يصحّ منه الفعل وبين من يتعذّر عليه ولا يثبت التعذّر إلّا مطابقا للصحّة دون الوقوع (ق ، ت ١ ، ١٠٣ ، ٢١)
ـ إنّا لا نعرف القدرة وكون القادر قادرا بها إلّا بعد العلم بكون العبد محدثا لتصرّفه. والذي يحصل لنا العلم به ابتداء في كون العبد محدثا هو في العالم لاعتبار طريقة القصود والدواعي ، لأنّ العلم بذلك يسبق العلم بكونه محدثا لتصرّفه. ثم إذا عرفنا أنّه يصحّ منه الفعل ويتعذّر على غيره عرفنا اختصاصه بصفة. ثم عللنا تلك الصفة بوجود معنى. ثم إذا ثبت لنا بقاؤه وأنّ السهو لا ينافيه ولا يدافعه ، عرفنا ثباته في الساهي ، فعرفناه قادرا ، وأمكننا أن نعرف أنّ فعله حادث من جهته لوقوعه بحسب القدرة التي كانت فيه عند ما كان عالما (ق ، ت ١ ، ٣٦٠ ، ٢٧)
ـ إنّ أحدنا قادر بما عرفنا من صحّة الفعل من جملة مع السلامة ، وتعذّره على جملة أخرى مساوية لها في صفاتها مع السلامة. ثم ... لا بدّ عند ذلك من أمر به تقع المفارقة بين هاتين الجملتين ، وأنّ ذلك الأمر لا يصحّ رجوعه إلى وجودها وبنيتها وما فيها من الحياة (ق ، ت ٢ ، ١٦ ، ٣)
ـ قد اختلف الناس في الوجه الذي منه صار القادر منّا قادرا. فالذي تقتضيه مذاهب من ينفي الأعراض إذا قالوا بإثبات الفاعل أن يجعلوا كون القادر قادرا بالفاعل ، كما سلكوا مثل هذه الطريقة في المتحرّك وغيره. فأمّا النظّام والأسواري ومن تبعهما فإنّهم ذهبوا إلى أنّ القادر منّا قادر لنفسه. وإن كان قد حكى في الكتاب عن الأصمّ مثل هذا القول ، والأشبه بطريقته أن يجعله قادرا بالفاعل. فأمّا ضرار فقد حكى عنه في الكتاب أنّه يذهب إلى أنّ الاستطاعة بعض المستطيع. وليس هذا بموقوف على هذا الموضع فإنّ خلافه في غير ذلك من الأعراض نحو هذا الخلاف لأنّه يجعل الجسم من أبعاض مجتمعة وربما عبّروا عنها بالأعراض المجتمعة. والذي عندنا أنّه قادر لمعنى من المعاني .... فالذي يدلّ على ما قلناه أنّ أحدنا قد حصل قادرا مع جواز أن لا يكون كذلك ، وحالته في كونه حيّا واحدة فلا بدّ من اختصاصه بأمر وذلك الأمر هو