وقول ـ فرخو ـ البرليني ، وهو من أكابر علماء التشريح : ما للارتقاء من ركن علمي.
وقول الدكتور ـ دوسون ـ وهو من أكابر علماء الجيولوجيا : قلنا بالأدلة الصحيحة : إنّ الانسان خلق في الأصل إنساسا ولم يكن يوما ما قردا أو سلالة قرد ، ولا يقال على غيره من سائر الحيوانات ما قاله في الانسان ، ولا دليل على ذاك المدّعي.
وكمقالات الفلكي الطبيعي الشهير الفرنسي ـ كاميل ملامريون ـ وكثير من أمثاله من الرجالات الغربيين ومشاهيرهم] (١).
ثم أنه ما يدريه أنّ أباه قبل أن يكون قردا كان مخاطا ونقيعا في الماء ولا صقا بصخرة ، ويتدرج ويرتقي حتى بلغ إلى ما هو عليه اليوم ، فالاشكال والسؤال : لماذا انتهى التدرج والارتقاء؟ وما الذي أوقفه على صورة الانسان؟ وما الذي منعه عن الانتقال إلى غيرها وغيرها؟
فأي خير يرجى أو جدوى علم تؤمل ممّن قصر إدراكه عن إدراك ذات نفسه ، وهي أبده البديهات إليه ، وأقرب الأشياء منه ، فأنكرها من حيث يدري ولا يدري ، وجحدها من حيث يشعر أو لا يشعر. أفترجو ممّن أنكر نفسه ، وضغط على شعوره ، وتهالك على إماتة وجدانه حذرا من أن يصل به العلم إلى معرفة خالقه والالمام بمبدئه ومعاده ، كل ذلك رجع عليه بعيد.
ولقد جاء علماء الأديان بأقرب شيء إلى العقل لمعرفة الرب سبحانه حيث قالوا : من عرف نفسه فقد عرف ربّه ، والمقصود أنّ الطريق الذي تعرف به نفسك ، هو النظر في آثارها وأعمالها ، فتعرفها من كونها أمّارة ولوّامة ومطمئنة ، وفيها القوة الشهوانية والغضبية ، وكونها بليدة وجاهلة وعالمة ، إلى غير ذلك من كونها وعاء كل فضيلة أو رذيلة ، ممّا يتعلق بالنفس وتوصف به النفس ، هو الطريق الذي تعرف به ربك ـ عزّ ذكره ـ أن تنظر إلى ملكوته وجبروته وعظمة مجده وعزه ، من خلال إبداعه وخلقه
__________________
(١) كاشف الغطاء : الدين والإسلام ص ٤٠ ـ ٤٥.