الموضوع الأول
«الإغراء والاغتصاب»
(قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١).
كان يوسف (ع) يسحر العقل بجماله ، ويأخذ بالأبصار من حسنه ، يبهر العيون وتنجذب إليه القلوب هيبة ، حسن الطالع ، جميل المحيّا ، محبوب الصوت ، كامل الخلق والخلق ، ذا جلال تشد إليه الأبصار وتجله النفوس ، تتعذر العين من النظر إليه طويلا ، وليس بمقدور القلب أن يتركه ويفارقه طويلا. لأنّ النفس أصبحت أسيرة ما وهبه الله له من الجمال والكمال والهيبة ، فتتلهف لسماع حديثه وطراوة لسانه وعذوبة صوته.
تلك الصفات الجميلة ، مضافا إليها ما وهبه الله له من الحكمة والعلم ، جعلت من يوسف أن يدخل إلى العقول والقلوب بيسر وسهولة ، ويسيطر عليها بقوة واقتدار وكأنه أصبح ملكا. (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ. قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (٢).
لهذا السبب أخذت امرأة العزيز ـ وكان يوسف (ع) يعمل في بيتها ـ تراوده عن نفسه ، بعد أن غلبت عليها الشهوة ، وأضلها الشيطان عن الطريق القويم ، فقامت بإغلاق أبواب الدار ، وهي تأمل في نفسها ما تأمل. وتمر لحظات حساسة وحاسمة وبها يسيطر الايمان على قلب يوسف (ع) فينشغل عنها بذكر الله والخشية منه. ويحاول الانصراف من البيت وتركه لاعنا الشيطان ووساوسه.
__________________
(١) سورة يوسف : الآية ٢٦ و ٢٧.
(٢) سورة يوسف : الآية ٣١ و ٣٢.