الموضوع الثالث
«الرسول الكريم»
ليس الكلام عن رسول الله (ص) مثل الكلام عن غيره من عظماء الرجال الذين كان لهم فضل على الانسانية بتوجيهها وجهة الخير والحق والكمال.
والانسان مهما اوتي من فصاحة الكلام ، وقوة التعبير ، وسعة الخيال ، ودقة التصوير ، فما هو ببالغ الوفاء في ناحية من النواحي التي برّز فيها ، فضلا عن الاحاطة بكل النواحي التي فاق فيها غيره من سائر البشر.
إذا كانت النفس الانسانية في ذاتها معضلة العلم ، ومشكلة الفلسفة ، وعقدة الحكمة من القدم إلى اليوم ، وإذا كانت المعارف الانسانية بأجمعها ، وقوانين علوم النفس برمتها ، لم تزل قاصرة عن تتبع سير النفس في حركتها وسكناتها ، والاشراف على سر تطوراتها في صلاحها وفسادها ، وعاجزة عن الالمام بصفة عروجها في عالمها على أجنحة الفضائل ، أو هبوطها بدوافع شهوتها إلى حضيض النقص والرذائل ، فكيف يطمع باحث أن يقف على حقيقة روح نزلت من حظائر الملأ الأعلى ، وانفصلت من سرادقات العالم الأسمى ، واتصلت بأبدع وأكمل صورة من صور المادة ، لتأخذ في الأرض بيد أرواح غرقى ، وتنجي من الغم نفوسا هلكى ، وتتم من مكارم الأخلاق خداجا ونقصا ، وتعد النفوس لكمال طالما حنت إليه حنينا وبكت عليه الضمائر شوقا.
درس هذه الروح يستلزم معارف جلى ، وعلما جما ، ويستدعي من الباحث بعلم النفس إحاطة كبرى ، وبضمائر المساتر معرفة عظمى.
من ينكر علينا أنّ هذه الروح المحمدية الطاهرة الكريمة ، نشأت بين قوم كانوا من الدين في وثنية ، ومن الأخلاق في همجية ، ومن العادات في وحشية ، ومن الاجتماع في انقسامات قبيلية ، وتحزبات عصبية ، ومن المدارك في جهالة ، ومن الأفكار في ضلالة ، ومن الوجود في عماية ، ومن العقائد في غواية ، ومن الأنظمة في فاقة ، ومن