مستكملا بالخلق ؛ إذ المعبوديّة الاضافيّة ليس كمالا للحقّ وإن كان تجلّيا لكماله وإظهارا له.
وأمّا الرحمة فانّما تتحقّق بفرض حاجة الممكن إلى أمر ليس حاصلا له ليستكمل به ، وهو حقيقة سؤاله بلسان حاله وعبادته الذاتيّة ، فالرحمة الشأنيّة تقتضي إعطاء الحاجة لها ، وتعريضها للعطاء ، وجعلها سائلة بألسنة أحوالها قابلة لعروض الرحمة لها ، فهي متأخّرة عن الالوهيّة والمعبوديّة. والرحمة الفعليّة بمعنى الخاصّة لا تكون إلا بعد صيرورة كونها كذلك ، وبالمعنى العامّ لا تكون إلا بعد تحقّق الحاجة الكلّيّة. فاسم الرحمة متأخّر عن مبدء اسم الجلالة رتبة عقليّة وعينيّة ، فتتبعهما مرتبة اللّفظيّة والكتبيّة.
[الرّحمن اسم خاصّ لصفة عامّة والرّحيم اسم عامّ لصفة خاصّة]
ثمّ إنّ الموجودات لمّا ظهرت وأعطيت لها قابليّة عطايا كثيرة ، وسألت بلسان أحوالها كمالاتها ، وما تحتاج إليها في دوامها ، والسير إلى غاياتها ونهاياتها ، واتّصفت بصفة العبادة الذاتيّة ، ظهرت صفة الرحمة ، فأعطي كلا منها ما يستحقّها.
وهذه الرحمة تنقسم إلى قسمين ؛ قسم منه بالقياس إلى القوس النزولي والنشأة الاولى ، وسيره من الحقّ إلى آخر درجات الخلق ، فاعطاء ما يحتاج إليه من إعطاء الرزق ودفع مكاره وإعطاء منافع وإصلاح شأن وتحسين صورة ، وإعطاء ما يتوقّف عليه شيء من ذلك ولو بوسائط ، إلى غير ذلك. والآخر بالقياس إلى القوس الصعودي والنشأة الاخرى ، وسيره من الخلق إلى الحقّ ، وطيّ درجات القرب إلى الله سبحانه.
والاوّل هو الرحمة الاولى الابتدائيّة لعدم بنائه على فعل العبد ، فيشمل كلّ شيء من مؤمن وكافر ، وجماد ونبات وحيوان وغيرها ؛ كما وصف سبحانه :