[في الأمور الباطنيّة الّتي ينبغي أن يراعيها قارئ البسملة]
ومنها : أنّ المناسب لحال قارئ البسملة بقلبه أن يثير في قلبه محبّة الله سبحانه من حروف «بسم» على ما تقدّم ، والحياء منه سبحانه من عظمة كلمة الجلالة من حيث الكلمة والحروف ، والرجاء من الرحمن والرحيم والخوف من فوات الرحمة الرحيمية الخاصّة بأهله ، فانّ اختصاصه بالبعض دليل على حرمان الباقين ، والعبد لا يدري من المستحقّين أم لا ، والحرمان من جهة صفات العبد لا من أسماء الحقّ ؛ (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ.)(١) فلا يرجو راج إلا ربّه ، ولا يخاف إلا نفسه.
وفي جعل البسملة ابتداء للفاتحة والسور والكتب المنزلة على ما تقدّم دلالة على سعة الرحمة. فبملاحظته يعالج داء القنوط. وعلى أنّ إنزال السورة والكتب نشأ من الرحمة ، فاللازم المسارعة في القبول والامتنان ، لا الكراهة والتثاقل ، وبه يقوي الرجاء الحاصل من جعل البسملة فاتحة ، وتسميته نفسه رحمانا رحيما جامعا بينهما ، فكيف لا يرحم؟
حكي أنّه وقف سائل على باب رفيع ، فسأل شيئا ، فأعطي شيئا قليلا ، فجاء بفاس وأخذ يخرب الباب.
فقيل له : لم تفعل؟
قال : إمّا أن تجعل الباب لائقا بالعطيّة ، أو العطيّة لائقة بالباب.
وعن عارف أنّه كتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وأوصى أن يجعل في كفنه ، فقيل له في ذلك فقال : أقول يوم القيامة : إلهي ، بعثت كتابا وجعلت عنوانه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فعاملني بعنوان كتابك.
__________________
(١) النساء / ٧٩.