[اعتقاد العدليّة في جواز التّحميد لغير الله سبحانه]
فان قلت : كيف يصحّ حصر الحمد به سبحانه مع ما تقرّر عند العدليّة من القول بالتحسين والتقبيح العقليين بالنسبة إلى أفعال العباد ، وقد فسّروا الحسن بما يستحقّ المدح أو الثواب ، مع أنّ المدح هنا يقع بازاء الجميل الاختياريّ ، فهو حمد على ما مرّ؟ وحينئذ يتّجه ما عن الجبريّة من التشنيع على العدليّة بأنّكم تثبتون للعبد فعلا واختيارا ، واستحقاق الحمد إنّما يكون على أشرف النعم وهو الايمان ، فلو كان الايمان بفعل العبد لكان المستحقّ للحمد هو العبد ، ويكون هذه الكلمة على ما ذكر في مفاده دليلا على صحّة قول الاشاعرة ، فكيف المخلص عنه؟
قلت : العدليّة على ضربين :
فمنهم : من أرادوا أن يصفوا الله بعدله ، فأخرجوه عن سلطانه ، وهم القدريّة الّذين ورد في حقّهم : «أنّهم مجوس هذه الامّة» (١) على أظهر الوجهين ، وهم المشركون بالشرك الخفيّ ، المنكرين لكثير من أبواب التوحيد.
ومنهم : الفرقة الوسطى الجامعين بين التوحيد في جميع مراتبه والعدل ، وهم أهل الحقّ على تفاوت درجاتهم في زيادة العلم والمعرفة والبصيرة ونقصانها ، والخطاء في جهات المطلوب ونكاتها الدقيقة.
وحينئذ فنقول : إنّ شرطنا في مفهوم الحمد وقوعه بعد نعمة صادرة من المحمود بالنسبة إلى غيره ولو كان غير الحامد ، أو في المراد من الحمد هنا كما يوافقه تفسيره بالشكر فوجه الحصر ظاهر ؛ إذ لا منعم في الحقيقة إلا الحقّ ، وليس من سواه منعما في الواقع ، وإنّما هو في صورة المنعم ظاهرا ، وهو واقعا مجرى النعمة
__________________
(١) الروايات الواردة في هذا المعنى كثيرة ، فراجع التوحيد ، باب القضاء والقدر ، ص ٣٨١ و ٣٨٢ ، ح ٢٨ و ٢٩ ؛ والبحار ، ج ٥ ، باب القضاء والقدر والجبر والتفويض.