وعلا ، وإلا فالبصير لا يرى معطيا ولا مانعا سواه ، ويرى الوسائط كلّها مجاري لفيضه ، ووسائط مسخّرة تحت قضائه ليوصل بها حقّ كل ذي حقّ إليه على حسب ما قدّر له النعمة ، والواسطة وقدرته وعلمه واختياره وداعيه على الاختيار ، وتمكين المنعم عليه من الانتفاع بالنعمة ، وإبقاء تلك النعمة كلّها نعم منه سبحانه عليه ؛ كما قال عزّ من قائل : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ.)(١)
ولعلّك ستعرف توضيحه في المحلّ اللائق به ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وأيضا كلّ مخلوق ينعم على غيره فانّه يطلب بذلك الانعام غرضا ، إمّا ثوابا ، أو ثناء ، أو تحصيل خلق ، أو تخليصا من رذيلة البخل ، فهو حينئذ معاوض لا منعم ولا جواد ؛ إذ الجواد هو الّذي يجود لا لغرض يعود إليه غير نفس الجود ، فليس غيره سبحانه مستحقّا للحمد والشكر في الحقيقة. أمّا الله سبحانه ، فانّه كامل لذاته ، والكامل لذاته لا يطلب الكمال ؛ لأنّ تحصيل الحاصل محال ، فكان عطائه جودا محضا. فثبت أن لا مستحقّ للحمد إلا الله سبحانه.
فتحصّل من ذلك كلّه أنّ صرف الحمد إلى العباد الّذين لا حقّ لهم على الحامد ، مع أنّ عليه حمده سبحانه في كلّ حال ممّا لا ينبغي ، وأن الّذي ينبغي أن يحمد منحصر فيه سبحانه ، ومثال حامد الغير مثال من كان [له] أموال قليلة وديون كثيرة ، واشتغل بصرف تلك الاموال في مصارف لاغية لا منفعة فيها له.
[رجوع المحامد كلّها إليه سبحانه]
وذكر بعض المتأخّرين الّذي تقدّم صدر كلامه في شرح دعاء في وجه اختصاص جميع أفراد الحمد به سبحانه أنّ :
«النعوت الكماليّة كلّها ترجع إليه ، لأنّه فاعلها وغايتها ،
__________________
(١) النحل / ٥٣.