والانكسار ، والحياء والخشوع ، والاخبات والانقطاع ، والوقوف على حدود المربوبية وشؤونها التي يليق به ، وترك دعوى المشاركة في شيء من شؤون الربوبيّة ؛ إذ كما أنّ الحقّ ربّ مطلق بكل وجه وبكلّ اعتبار وحيثيّة ، كذلك العبد مربوط مطلق بكلّ وجه واعتبار ولحاظ. فزن بميزان العقل المربوب المطلق بصفاتها ، وانظر ما الّذي يناسب شأنه بالقياس إلى الربّ المطلق حتّى يظهر لك حقيقة ما نحن فيه من البعد عن كلّ استقامة وسداد. واجتهد في تحصيل تلك الشؤون الّتي يليق بالمربوب حتّى يظهر الحقّ عليك ربوبيّته ، ويوصل إليك كلّ خير يليق به ، ويدفع عنك كلّ شرّ لا خير لك فيه ، فانّ ذلك من شؤون الربوبيّة العامّة الّتي لا يشوبه بخل ولا منع.
فعليك بتحصل شؤونك ، وفوض شؤون الربوبية إليه ، إنه عليم بالحاجات ، جواد بالعطيّات ، لا يمكن تربية أحسن من تربيته ، ولا كرم فوق كرمه ، يربّيك كأنّه ليس له عبد غيرك وهو ربّ العالمين ، لا ليربح عليك ؛ إذ هو الغنيّ عن عباده ، بل ليربحوا عليه ؛ إذ هم الفقراء إليه (١) ، وأنت تخدمه كأنّ لك أربابا غيره ، ولا ملجأ ولا منجا لك ولغيرك إلا إليه ؛ (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ.)(٢) نسأل الله سبحانه العفو والمغفرة والسداد ، إنّه وليّ كل خير.
[أثر اسم الرّبّ في مقام الدّعاء]
ثمّ إنّ لاسم الرّب مضافا إلى ضمير المتكلّم وحده أو مع الغير مذكورا أو
__________________
(١) قال الله تعالى في آية ١٥ من سورة فاطر : «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.» وذكر الديلمي (ره) في إرشاد القلوب ، الباب التاسع والعشرون ، ص ١٤٨ ، أن الله تعالى أوحى إلى داود ـ عليهالسلام ـ : «قل لعبادي لم أخلقكم لأربح عليكم ، ولكن لتربحوا عليّ.»
(٢) الانبياء / ٤٢.