بالنسبة إليهم وإن كان ظاهرا عند العارفين ، فيظهر ذلك المعنى المختفي في ذلك اليوم ظهورا تامّا لا يخفى على أحد ؛ كسائر الامور الّتي هي غيب في الدنيا لأهلها وينكشف ويصير شهادة في يوم تبلى السرائر : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.)(١)
[ارتباط صفة المالكيّة مع انحصار الحمد لله سبحانه]
هذا ، واعلم أنّ في ذكر هذه الصفة في عداد الصفات المتعلّقة بالحمد إشعار بكونه محمودا باعتباره وهو كذلك ؛ لانّ قضيّة العدالة الّتي هي من أعلى الصفات الاختياريّة الفعليّة ، ويستحقّ باعتبارها الحمد والمدح لا تظهر ظهورا تامّا إلا في يوم الجزاء بالفرق بين المحسن والمسيء ، والمطيع والعاصي ، والموافق والمخالف لتجزى كلّ نفس بما سعى ؛ (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ)(٢). بل الملكية والمالكيّة في مقام الامكان والظهور العينيّ في الكون من الصفات الجميلة الاختيارية بل هو محمود بكلّ صفة وفعل ، وكلّ جهة واعتبار.
ثمّ إنّ في ذكر هذه الصفات بعد اسم الجلالة الدالّ على استجماع جميع صفات الكمال على ما مرّ بيانه إشعار بانحصار جهات الحمد فيه سبحانه ؛ لأنّ من يحمده الناس ويعظّمونه إنّما يكون حمدهم وتعظيمهم لأحد أمور أربعة ، إمّا لكونه كاملا في ذاته وصفاته ؛ وإمّا لكونه محسنا إليهم ومنعما عليهم ؛ وإمّا لأنّهم لا يرجون الفوز في الاستقبال والحال بجزيل إحسانه وجليل امتناعه عاجلا أو آجلا ؛ وإمّا لانّهم يخافون من قهره وكمال قدرته وسطوته ، فكأنّه جلّ وعلا يقول : يا أيّها الناس إن كنتم تحمدون وتعظّمون للكمال الذاتي والصفاتي فانّي أنا الله ، وإن كان للإحسان والتربية فانّي أنا ربّ العالمين ، وإن كان للرجاء والطمع
__________________
(١) ق / ٢٢.
(٢) الزلزلة / ٦.