[تأثير التفكّر في معاني هذه الآية في النّفس]
ثمّ إنّ لكثرة التأمّل والتفكّر والتدبّر والغور في معاني هذه الالفاظ تأثيرا قويا في الترقّيّات المعنويّة ، والانتقال في الاحوال والمقامات ، وما يتفرّع على الغور في الصفة الاخيرة استشعار الخوف والرجاء ، وارتفاع الغرور باعتبار كونه يوم الدين لا يوم الجزاف والعبث ، وانزعاج القلب عن الدنيا باحضار النشأة الاخرى في النفس ، وارتفاع الإخلاد إلى الارض والمألوفات وعالم الظلمة ، وكسر النفس والهوى ، وقمع مادّة العجب والغرور بملاحظة المتفكّر كونه في معرض وقوع يوم الدين بعظمته عليه ، ولا يدري على أيّ وجه من وجوهه يتّفق بالنسبة إليه ، وبملاحظة عظمة من هو مالك هذا اليوم وملكه فيصغر في نفسه نفسه وغيره كما قال عليهالسلام في صفة المتّقين : «عظم الخالق في أنفسهم ، فصغر ما دونه في أعينهم.» (١) وقلع شجرة الرياء والسمعة بنحو ما ذكر ، وقطع مادّة الظلم بتذكر يوم المجازاة إلى غير ذلك ممّا يعرف بالمقايسة إلى ما ذكر. هذا لأرباب الاحوال.
وأمّا العارفون ، فلهم في مثل ذلك ترقيّات إيقانيّة من علم اليقين إلى عين اليقين إلى حقّ اليقين ، وصيرورة العلم عيانا ، وينكشف لقلبه حقيقة هذا الاسم وغيره مجملا ، ثمّ مفصّلا إلى مراتب لا تتناهى ، فهو كالمتفرّج في عالم الآخرة بقلبه والسائر في بساتينه ، والناظر إلى حال العصاة في نيرانه.
ولعلّ من ذلك أو ما هو أعلى منه ما رواه في الكافي باسناده عن الزهري في حديث قال :
«كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام إذا قرأ «ملك (٢) يوم الدين»
__________________
(١) راجع المآخذ المذكورة في تعليقة ٢ ص ١٩٧ ، وتعليقة ١ ص ١٩٨.
(٢) خ. ل : «مالك».