في الآخرة ، فليس في الخبرين دلالة عليه ؛ إذ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، والقبليّة لا تنفي وقوع شيء بعده لو لم يقتضه ، ولا نجد في اعتبار الالباب شاهدا عليه لو لم يشهد بخلافه ، والله العالم وهو المستعان.
[في دلالة الآيات الثّلاث بالتّرتيب على المبدء والمعاد وما بينهما]
ثمّ إنّ المستفاد من الكلمات الخمسة أنّ منه المبدء وبه البقاء وإليه المعاد. ويندرج فيها عالم البدو والوسط والمعاد ، فكأنّ الآيات الثلاث محيطة بعوالم الاكوان ، جاذبة للقلب المشتغل بشيء منها إليه سبحانه ، حتّى يتحقّق له حقيقة الاسلام المطلق بأخذها بمجامع القلب ؛ إذ لا ملجأ ولا منجا في ذلك إلا إليه سبحانه.
وبه يظهر كون الترتيب اللّفظيّ مطابقا للترتيب المعنويّ إذ مقام الالوهيّة مقدّمة على الربوبيّة المطلقة ، كما يظهر ممّا سبق (١) ، وهي بعنوان الوحدة مقدّمة على كلّ من القسمين ؛ إذ التفصيل هنا فرع الاجمال ، والكثرة فرع الوحدة ، فمرتبة الرحمانيّة والرحيميّة بعد الربوبيّة المطلقة.
ثمّ المقصود الاصليّ من إنشاء القيامة هو ايصال الرحمة لأهله ، ومنها الانتقام من أعدائهم ، فانّه من الرحمة لهم ويتبعه الغضب ؛ إذ الاصل في الغاية هو الرحمة دون الغضب.
ولمّا اندرج الاصل في اسم الرحيم بقي سائر ما اقتضته الحكمة تبعا أو ضمنا ، فدلّ عليه بالاسم الاخير في مرتبته الّتي هي آخر المراتب ، فالناظر إلى الآيات الثلاثة بعين البصيرة ناظر إلى بدو الموجودات ونزولها وصعودها وختمها من حيث ظهور أسماء الله سبحانه عليها ، فهو في نظره إلى ربّه جلّ وعلا بأسمائه سائر في الموجودات بدوا وتوسّطا وختما. وهذا نظر صاحب مقام الوحدة في عين الكثرة.
__________________
(١) راجع ص ٢٨٧.