العبادة ونحوها ، لا من حيث صدورها عنهم ، بل من حيث أنّها نسبة شريفة ووصلة لطيفة بينه جلّ شأنه وبينهم.
وهذه نكتة أخرى لتقدّم المفعول مع ما في تقديم ذكر الله سبحانه من إيراث الخشية والمهابة حتّى لا يلتفت في العبادة يمنة ويسرة ، وإيراث العبد قوّة يسهل بها عليه ثقل العبوديّة ، ومن المطابقة للوجود العيني بتقدّم ما هو مقدّم في الوجود.
مضافا إلى أن (الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.)(١) فالنفس إذا مسّها طائف الشيطان من الكسل والغفلة والبطالة طلع له جلال الله من مشرق «إيّاك» فتصير مبصرة مستعدّة لأداء حقّ العبوديّة إلى غير ذلك.
[علّة إيراد الفعل بصيغة الجمع]
ثمّ إنّه يشبه أن يكون في إيراد الفعل بصيغة المتكلّم مع الغير إرشادا إلى ملاحظة القارئ دخول الحفظة ، أو حضّار صلاة الجماعة ، أو جميع حواسّه وقواه الظاهرة والباطنة ، بل وجميع جوارحه وشعره وبشره ـ كما ربّما يومي إليه دعاء الركوع ـ أو جميع ما حوته دائرة الامكان ؛ كما قال سبحانه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٢). وايذانا إلى أنّ المناسب للعبد أن يرى نفسه حقيرا غير قابل لعرض عبادته منفردا من دون الانضمام إلى جماعة يشاركونه في العرض ، كما يظهر من دأب الرعايا مع الملوك ، مع ما فيه من الفرار عن أنّه لا يليق بنا مع ما نحن عليه من تعظيم الدنيا وأهلها ، والخضوع التامّ لأربابها من الملوك وغيرهم أن نخاطبه سبحانه بما يدلّ على حصر العبادة فيه سبحانه ؛ إذ على تقدير العدول إلى الجمع يمكن أن
__________________
(١) الاعراف / ٢٠١.
(٢) الاسراء / ٤٤.