يقصد حينئذ تغليب الاصفياء الخلّص على غيرهم ، فيحترز بذلك عن الكذب الظاهر عند من يعلم الضمائر.
مضافا إلى أنّ المناسب للعبد الحامد لله الواقف بين يديه بحقيقة الحمد والحضور أن لا يقصر همّه على إصلاح حال نفسه ، بل يسعى في إصلاح حال إخوانه في الله سبحانه أيضا ، فيدخل نفسه في جملتهم ويتكلّم عن المجموع.
[سبب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب]
ثمّ إنّ الالتفات في هذه الآية من الغيبة إلى الخطاب لعلّه إشارة إلى أنّ القرائة ينبغي أن يكون عن قلب حاضر وتوجّه كامل ، بحيث كلّما أجرى القارئ اسما من تلك الاسماء العليا والنعوت العظمى على لسانه ، ونقشه على صفحة جنانه حصل للمطلوب مزيد انكشاف وانجلاء ، وأحسّ هو بتزايد قرب واعتلاء. وهكذا شيئا فشيئا إلى أن يصير الخبر له عيانا ، والغيبة حضورا ، والبرهان مشاهدة ، فيستدعي المقام العدول إلى الخطاب ، وإلى علوّ مرتبة هذه الآيات القرآنيّة حيث انّها تصيّر قارئها وتاليها بلسانه وقلبه أهلا لمجلس الخطاب ، فائزا بسعادة الحضور والاقتراب. فكيف لو لازم وظائف الاذكار ، وواظب على تلاوته وتدبّر معانيه باللّيل والنهار ، مع ما فيه من جبر كلفة العبادة بلذّة الحضور والمخاطبة وان عرض الهديّة الحقيرة حضورا أقرب إلى القبول من عرضه بدون المواجهة عند الاكابر والملوك ، وهو آية لكون هدايا الحاضرين لديه سبحانه على ما ورد في الحديث القدسي : «أنا جليس من ذكرني» (١) أقرب إلى القبول.
فعلى التالي صرف الهمّ على تحصيل الحضور بين يدي من هو حاضر لا يغيب ،
__________________
(١) رواه الصدوق (ره) في العيون ، ج ٢ ، ص ٤٦ ، ح ١٧٥ ، عن الرضا ـ عليهالسلام ـ ... عن النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ؛ ونقله المجلسي (ره) في البحار ، ج ٩٣ ، باب ذكر الله تعالى ، ص ١٥٦ ، ح ٢٥.