وهو أقرب من حبل الوريد (١).
[حقيقة العبوديّة والخضوع ومقاماتها]
مضافا إلى أنّ القارئ لمّا ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه الصفات العظام تعلّق قلبه بمعلوم عظيم الشأن حقيق بغاية الخضوع والاستعانة في المهام ، فخوطب (٢) ذلك المعلوم الّذي لا يحقّ العبادة إلا له ، وقد قدّمنا بعض الكلام في العبوديّة في كلمة الجلالة ، وعلى ما سبق من أنّ أصل (٣) الخضوع له مقام في المعرفة ، والملاحظة بأن يعرف نفسه متّسما بسمات لا يليق بها سوى الخضوع والاستكانة للحقّ ويرى نفسه كذلك ، وهو مستفاد من حصر الحمد في الحقّ ، ومن كلمة الجلالة كما سبق ، ومن إضافة الربّ إلى العالمين ؛ لأنّ كلّ شيء وجد في المربوب فهو من ربّه لا من نفسه ، فليس له من نفسه سوى ما يصحّ كونه مربوبا ، وهو الحاجة والفقر ، ومن إضافة الرحمة إليه سبحانه ، فالعباد مرحومون ، والمرحوم هو الخاضع ؛ «أنا عند المنكسرة قلوبهم.» (٤) وخصوصا بالنسبة إلى الرحمة المترقّبة ؛ لأنّ الخضوع مفتاح لتحصيل ما ليس له بحاصل ، ومن إضافة الملك أو المالك إلى يوم الدين كما أشرنا إليه ، فانّ من كان معرضا لوقوعه عليه وهو لا يدري على أيّ وجه يكون حريّ بنهاية التذلّل ، وكلّ من كان اطّلاعه على جهات فقره عاجلا وآجلا ، ابتداء واستدامة من الجهات الغير المتناهية ، كما أنّ النعم الّتي تجبر تلك الحاجات غير متناهية ، وكان نظره إلى هذه الجهات ، كان أعبد في هذا المقام ، خصوصا بعد
__________________
(١) مأخوذ من آية ١٦ من سورة ق.
(٢) كذا في الاصل ولكن الظاهر أن يكون الصحيح : «فخاطب».
(٣) في المخطوطة : «أصله».
(٤) هذا من حديث قدسي ، نقله الفيض (ره) في المحجة البيضاء ، ج ٧ ، كتاب الفقر والزهد ، ص ٣٢٥. وفيه : «أوحى الله تعالى إلى اسماعيل ـ عليهالسلام ـ : اطلبني عند المنكسرة قلوبهم.»