العالمين ينفي التفويض ؛ إذ المربوب بقول مطلق لا يستقلّ عن ربّه وربوبيّته في جهة من الجهات ، وباعتبار أن إعطاء الاختيار للمربوب من الشؤون الداخلة تحت الربوبيّة ينتفي الجبر ، كما أنّها من الرحمة الرحمانيّة ، فلو لم يعط نقصت الرحمة ، ولو استقلّ العبد بها لم يكن كلّ رحمة منه حدوثا وبقاء وكمالا. وفعل الخيرات من آثار الرحمة الرحيميّة أو موجباتها ، ولو لا الاختيار لاستوت العباد كلّها في استحقاق الرحمة الاخرويّة. ولم يكن للدين والحساب والجزاء معنى حتّى يوصف الحقّ بكونه مالكا أو ملكا له ، فتبصّر.
[في شرائط الاستعانة ولوازمها]
ثمّ إنّ الاستعانة إنّما يستحسن في مقام يكون المستعين محتاجا لا يقوي على أمره بنفسه ، ويضعف عن تحمّله بنفسه ، والمستعان عالما بحاله واستعانته ، وقادرا على إعطاء المعونة والعون له ، وجودا لا يبخل بما يقدر عليه ، ومجيبا لطلب الطالبين وسؤال السائلين ؛ إذ لو لم يعلم بحاله أو باستعانته منه ، أو كان عاجزا عنه ، أو قادرا بخيلا لا يبذل على المحتاجين ، أو كان غير معتن بسؤال السائلين لا يجيبهم إذا سألوه كانت الاستعانة لغوا لا يترتّب عليه المقصود. وإذا علم المستعين استجماع هذه الشرائط انبعث في قلبه حالة استدعاء هو حقيقة الدعاء والطلب ، وتصير سببا لاظهار الطلب والسؤال باللّسان وغيره ، وبقدر قوّة هذا العلوم وحضورها عند نفس السائل يقوي حالة السؤال ، ويتأكّد همّه فيه وفي الالحاح به ، وبقدر زيادة الحاجة في السائل يكون لزوم السؤال عليه أشدّ ، وبقدر استجماع المسئول الشرائط كمالا ونقصا يكون عرض السؤال عليه أليق ، وبقدر علم السائل كمال الشرائط في المسئول يكون انصراف قلب السائل نحو الاستدعاء. وهذه هي القاعدة في الدعاء بعنوان مطلق.