فهو سلوك صراط مستقيم يوصله إلى ربّه ، كما كان واصلا قبل ذلك ، حتّى يقابل القوس الصعودي القوس النزولي. ولعلّ إليه الاشارة بقوله تعالى :
«لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ـ الخ.» (١)
فتدبّر وتأمّل.
[طلب الهداية من أهمّ أفراد الاستعانة]
ثمّ إنّ العبد لمّا كان في كلّ حركة وسكون وكلام وسكوت وحال من أحواله ينقسم إلى أقسام ثلاثة : مقرّب له إلى ربّه ، وإلى رضوانه وكرامته ، وإلى مقام أوليائه عنده ، وإلى إفاضاته المعنويّة والبركات الباطنيّة ، وإلى ثوابه ونعمته في البرزخ والقيامة الكبرى والجنّة ؛ ومبعد له عنه سبحانه ، وعن رضوانه ، وعن مقام أوليائه ، وعن الكرامة والنعيم ؛ مقرب له عن الهوان والغضب ، وعن مواطن أعدائه من شياطين الانس والجنّ ، وإلى الشقاوة المعنويّة والزجر المعنويّ والعقاب في البرزخ والقيامة والنار ، ومتوسّط لا خير فيه ولا شرّ ، وكان الامر ملتبسا في هذه الدار الظلمانيّة البعيدة عن عالم النور ، مع شدّة الحاجة إلى معرفة ذلك في جميع أنحائه وشئونه وتنقّلاته واجتماعاته وافتراقاته وأفكاره وأنظاره ولحظاته ، كان أهمّ الامور بعد الالتزام بالعبوديّة والاستعانة بالحقّ بعنوان مطلق طلب الهداية إلى صراط الحقّ المؤدّي للانسان إلى نيل كلّ مطلوب ؛ كما يشير إليه لفظ (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بقول مطلق. وكان هذا من أعظم أفراد الاستعانة المطلقة ، كما أنّ الاستعانة الحقيقيّة من معظم أقسام العبوديّة والعبادة ، وبه يظهر ارتباط هذه الآية بما قبلها ؛ مع أنّ بعد الحضور بين يدي السلطان المطلق وعرض العبوديّة له وتخصيص الاستعانة به ، الدالّ على العجز والنقص ناسب عرض الحاجة المهمّة
__________________
(١) التين / ٤ ـ ٦.