[السّبب في إتباع الصّراط المستقيم بصراط الّذين أنعمت عليهم]
ولعلّ النكتة في إتباع الصراط المستقيم بصراط الّذين أنعمت عليه هي : أنّ الصراط المستقيم لمّا كان أمرا معنويّا دقيقا لا يكاد يظهر في هذا العالم إلا باعتبار حال سالكيه المتحقّقين بحقائقه واتّبع (١) بصراطهم ، كما أنّ سائر السبل المنحرفة غير ظاهرة إلا في أصحابها ، فناسب إتباع ذكر المنعم عليهم الّذين هم أهل الحقّ بالمغايرة للطائفتين الأخريين ، الّذين هم سالكوا السبل المنحرفة حتّى يتّضح حال الصراط المطلوب والطرق المبغوضة.
ولعلّ فيه إشارة إلى طلب الاقتداء بأئمّة الهداية والهرب عن مخالفيهم ، فيشتمل الآية على متابعة أوليائه ، ومخالفة أعدائه ، وتولّي أوليائه سبحانه ، والتبرّي عن أعدائهم ، وبهما يكمل الهداية المطلوبة ؛ إذ لا يتمّ الايمان إلا بالتولّي والتبرّي.
وفيه أيضا تقوية للطلب الّذي هو روح الدعاء ، فانّ العبد إذا لاحظ حال الاصناف الثلاثة مفصّلا قوي شوقه إلى دخوله في «المنعم عليهم» وخوفه من لحوقه بالاخرين ، فيشتدّ في قلبه طلب الهداية المحصّلة للأوّل وخوف الفوات الموقع إيّاه في المحذور. وبذلك يتمّ حقيقة الدعاء ، الّذي هو موجب للاجابة لما فيه من التصريح بفائدة الهداية ، وغاية فواتها في حقّ أهلها.
__________________
(١) كذا في المخطوطة ، لكن الظاهر أن يكون : «التابعين» أو «المتبعين».