[ارتباط درجات الختم بمراتب الحجاب في الانسان]
وحينئذ فنقول : إنّ دون المرتبتين المتقدّمتين مقاما آخر ، وبيانه : إنّ الانسان تارة يكون بحيث يتأثّر بورود الانذار الصحيح عليه مطلقا ، خصوصا بعد استجماع الانذار شرائط كماله ؛ وتارة يكون بحيث لا تتأثّر بالانذار بوجه من الوجوه ، وكيفية من الكيفيات ، وبأيّ نحو وقع ، بحيث خرج عن القابلية رأسا ؛ وبينهما متوسطات ، فيتأثّر صاحبها تارة دون أخرى ، أو بوجه دون وجه ، أو من شخص دون آخر ، أو من بعض الانذارات دون آخر.
ولا ريب أنّ هذا الاختلاف ينشأ عن اختلاف في أمر باطنيّ هو الموجب لهذا الاختلاف ؛ إذ الاختلاف في الآثار يكشف عن الاختلاف في المؤثرات أو المتأثرات ، وحيث فرض عدم الاختلاف في المؤثّرات بين الطوائف الثلاثة كشف عن كون اختلاف الحال من طرف المتأثّر. ولمّا فرض المؤثّر ، وهو الانذار الواقع من النبيّ صلىاللهعليهوآله ، مستجمعا لشرائط المؤثّريّة تامّ الاقتضاء ، وكان القلب الانسانيّ بحسب الفطرة الاصلية قابلا للتأثّر ، فيعلم أنّ عدم التأثير لأجل عروض أمر مانع عنه ، وأقرب مانع يتصوّر في المقام هو وجود الحجاب بين المؤثّر والمتأثّر ، بحيث لا يصل المؤثّر إليه ، وهو غشاء واقع على وجهة القلب التي بها يتوجّه نحو الاشياء أو ختم على سمعه التي بها يدرك معاني المسموعات ، أو ختم على أصل القلب الذي من شأنه أن يدرك المعاني والحقائق ، فلا يتعقّل الامر الذي ينبغي له تعقّله ، ولا يصل إليه الامر المعقول ، فالقلب الذي من شأنه أن يكون وعاء للحقائق والمعاني إذا ختم عليه فلم يدخله المعنى المعقول ، أو ختم على سمعه فلم يدرك المسموع ، أو جعل على بصره غشاوة فلم يبصر المعنى الذي يبصره ، فقد وقع الحجاب والمانع عن وصول المؤثّر إلى المتأثّر ؛ إذ محض الابصار أو السماع