[في رجوع الخدعة إلى الخادع]
(وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [وَما يَشْعُرُونَ])
عن تفسير الامام عليهالسلام بعد ما سبق :
«ثمّ قال : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ما يضرّون بتلك الخديعة إلا أنفسهم ، فانّ الله غنيّ عنهم وعن نصرتهم ، لو لا إمهاله لهم لما قدروا على شيء من فجورهم وطغيانهم (وَما يَشْعُرُونَ) أنّ الامر كذلك ، وأن الله يطلع نبيّه على نفاقهم وكذبهم وكفرهم ، ويأمره بلعنهم في لعنه الظالمين الناكثين ، وذلك اللّعن لا يفارقهم في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله ، وفي الآخرة يبتلون بشدائد عذاب الله.» (١).
أقول :
ظاهره أنّ المراد من الخديعة هنا هو غاية الخديعة ، وهو الضرر ؛ إذ الخادع إنّما يخادع لايصال ضرر إلى المخادع غالبا ، ولسائر الاغراض المترتبة على إظهار ما ليس ثابتا ، وإخفاء ما هو ثابت ، ولما لم يخف الحال على الله ورسوله وجملة من المؤمنين لم يترتب تك المقاصد المترتبة على الاخفاء عليه ، ولم يبق للخداع غاية إلا الضرر الذي ورد عليهم بخداعهم في الدنيا والآخرة ، فكأنهم كانوا يخادعون أنفسهم إذ أوردوا أنفسهم في ضرر من حيث لا تشعر به أنفسهم.
وأمّا المنافع الّتي كانت تصل إليهم في الدنيا من معاملة الاسلام معهم ، ومشاركتهم للمسلمين ، فهي ليست من نتائج خداعهم ، وإنّما هي من آثار كلمة الاسلام والتسليم الظاهري حيث بني أمر الدين في الظاهر على نفس ذلك الامر
__________________
(١) راجع المصادر المذكورة فى تعليقة ٢ ص ٤٦٦.