[معنى المرض وحقيقته]
وأمّا المرض ، فهو حالة توجب وقوع الخلل في الافعال الصادرة عن موضوعها كما ذكره بعضهم (١) ، وهو فرع خروجه عما ينبغي أن يكون عليه بحيث لا يتأتّى منه ما كان من شأنه أن يتأتي منه ، ولعلّ الاولى تعميم الخلل بالنسبة إلى الافعال وسائر الآثار المقصودة منه ، فيحدّ المرض حينئذ بأنه حالة توجب الخلل في الاثار التي من شأن موضوعه ترتبها عليه ، أو بأنه آفة توجب خروج العضو عما ينبغي أن يكون عليه. وعلى كل حال فمرض كل جزء بحسبه ؛ فمرض العين حدوث حالة تمنع من جودة الابصار ، أو توجب ألم صاحبه وإن بقى إدراكه على حاله ، ومرض المعدة بحدوث خلل في هاضمته أو دافعته أو ما سكته ، أو بحدوث ألم فيها أو غير ذلك. فكل جزء من أجزاء الانسان إذا لوحظ باعتبار سلامته ومبدئيته لما ينبغي أن يكون مبدء له ، ويترتب عليه من أثر أو فعل ، إمّا أن يكون باقيا على ما يقتضيه بحسب طبيعته وجبلّته ، وإما أن يكون خارجا عنه بفقدان سلامته ، أو عدم ترتب ما يترتب عليه بمقتضى طبعه. فالاول هو الصحة ، والثاني الذي هي الحالة الخارجة عن مقتضى طبعه هو المرض.
وأنت إذا لاحظت حقيقة المرض بما ذكر علمت أنه لا تختص بالاعضاء الحسية ، بل يجري فيها وفي سائر أجزاء الانسان بحسب ارتفاع سلامتها وخروجها عما كان ينبغى أن يكون عليها ، وعدم صدور آثارها عنها على الوجه اللائق به ؛ ويشهد له ما عن «ابن فارس» من أن : «المرض كل ما خرج به الانسان عن الصحة من علّة أو نفاق أو تقصير في أمر» (٢) ، وما يقال من أن : «المرض في القلب الفتور عن الحق ، وفي الابدان فتور في الاعضاء ، وفي العيون فتور في النظر» (٣) وإن لم يكن هذا
__________________
(١) راجع أنوار التنزيل وغيره من كتب التفسير.
(٢ و ٣) راجع مجمع البحرين.