[في معنى الاستهزاء وأنّه ملازم للنّفاق]
وأصل الاستهزاء هو السخريّة والاستخفاف ، وأصله على ما قيل : «الخفّة من الهزء ، وهو قتل السريع.» (١) ولعلّ إيرادهم الجملتين معا مع شياطينهم بالجملة الاسميّة مؤكّدة ب «إنّ» وأداة الحصر واقتصارهم مع المؤمنين بالجملة الواحدة الفعليّة لأنّ نفوسهم لا تساعدهم في الثاني على أزيد من ذلك ، أو لأنّه لا يروح عنهم لو قالوه على لفظ التأكيد والمبالغة ، والجملة الثانية مؤكّدة للاولى معنى ، وكأنّه دفع اعتراض متوهّم ، وهو أنّه ما بالكم إن صحّ أنّكم معنا توافقون أهل الاسلام ، هذا.
وربّما يجري نظير مفاد الآية في كلّ منافق بالمعنى المتقدّم ، وذلك لأنّ النفاق على ما ذكر هو كون الظاهر راجحا على الباطن ، والفرع أزيد من الاصل ، سواء كان الاصل فاسدا رأسا أو ناقصا ، ومن كان على هذه الصفة فهو في الظاهر الذي هو موضع الملاقات مع الناس والمعاشرة مع المؤمنين مظهر لشؤون الايمان بقوله أو فعله أو حاله وصفته ، وفي باطنه الّذي هو موضع ملاقاته للشياطين ، واتّصاله بهم مظهر للثبات على ما كان عليه ، والموافقة معهم باعتقاده أو جحوده أو خلقه وملكته السبعة ، فهو ثابت الباطن مع الشياطين لم يتحوّل منه إلى غيرهم ، وله معهم خلوة باطنيّة ، ومضيّ وتجاوز إليهم. وفي ذلك المقام يظهر أنّ ما ظهر منه في الظاهر هو استهزاء لا حقيقة له ، ولا ثقل له لكونه فرعا بلا أصل ، وصورة بلا روح ، بل سخريّة لنفسه لو انكشف حاله لعارف بصير لضحك منه ضحك من اطّلع على أفعال أهل السخريّة ، وسخريّة لمن أظهر عنده ذلك لو كان لأجل الناس ، بل لعلّه يندرج تحت من اتّخذ آيات الله هزوا على ما ببالي من ورود رواية في شأن
__________________
(١) الكشاف ، ح ١ ، ص ٣٥ ؛ وأنوار التنزيل ، ص ١٤.