[كيفيّة استهزاء الله سبحانه بالمنافقين في الآخرة]
ولمّا كانوا في الدنيا يرون أبواب الجنّة الّتي منها يتمكّن الانسان من دخول الجنّة ، وهو الايمان بأغصانه وشؤونه المتقدّمة ؛ إذ به يدخل العبد الجنّة بحسب المعنى ، وكانوا متقرّبين إلى صورها وساعين في تحصيلها بحسب الصورة ، ويطلبون بذلك النجاة الدنيويّ الصوري وهم في تلك الاحوال مستغرقون في بحار الكفر والذنوب منهمكون فيها ، وكان المناسب أن يرى هؤلاء المنافقون أبواب الجنّة هناك مفتوحة ، كما كانت مفتوحة في نظرهم في الدنيا ، وأن يتقرّبوا إليها ويسعوا في تحصيلها ، ويطلبوا النجاة بسببها وهم في النار معذبون ، وفي عذابها مستغرقون على حسب أحوالهم المختلفة حسب اختلاف حالاتهم في الدنيا.
ولمّا لم يكن ما يرونه في الدنيا بابا واقعيّا لعماء أبصارهم عن معاينة الواقع وإنّما الذي يدركونه صورة الباب ، أو كان ولم يدخلوها بالحقيقة ، وكان الدخول الحقيقي هو الموصل إلى المقصود والمنجي من المحذور ، وإنّما تشبّثوا بصورة الداخل فيها ، لزم أن يكون ما شاهدوه هناك صورة أبواب الجنان أو حقيقتها ، ولكن غير مفتوحة إليهم ، وليسوا ممّن يدخلها حقيقة ، فلم يتمكّنوا من حقيقة الدخول فيها ، ولا من حقيقة الخروج من النار ، كما كانوا مستقرّين في معنى النيران في الدنيا ، كما أنقذ المؤمنون منها في قوله سبحانه : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها.)(١) فيبقون في النار ، ولا يحصل لهم محيص واقعي ، كما لم يحصل في الدنيا ، وعند الوصول إلى المواضع التي قدّروها أبواب منجية يجدونها مردومة كما كانت أبواب الخيرات مردومة عليهم في الدنيا في الحقيقة وإن كانت مفتوحة بحسب الصورة.
__________________
(١) آل عمران / ١٠٣.