وهذه الحالة يتجدّد حدوثه لهم حينا بعد حين ، كما كانت أعمالهم في الدنيا يتجدّد حينا بعد حين على هذه الصفة ، بل يستمرّ عليهم للزوم أعمالهم لهم في الدار الباقية.
ولعلّه لذلك عبّر عن استهزاء الله سبحانه بهم على صيغة المضارع ، مع أنّ حكاية قولهم كانت بصيغة الجملة الاسميّة.
ثمّ لمّا كانت انفتاح أبواب الصور في الدنيا لهم بتوسّط المؤمنين ، إذ هم الذين يبلّغونهم الدين ويظهرونه لهم قولا وفعلا ، مع استغراقهم في باطن النيران كانت مناسبة الجزاء قاضية بأن يكون انفتاح تلك الابواب هناك من نحو طرف المؤمنين أيضا.
وأيضا لمّا كان من العدل أن يجزى كلّ سيئة بمثلها والاعتداء بمثل ذلك الاعتداء ، وكانوا مسيئين معتدين على المعتدين بالاستهزاء ، صحّ في عدله سبحانه أن يوقع عليهم مماثل فعلهم ، الذي ارتكبوها بالنسبة إلى المؤمنين ، حتّى يظهر حكم العدل منه سبحانه. وفي هذا تسلية للمؤمنين في تحمّل استهزائهم ؛ إذ لا قدر له بالقياس إلى ما يرد على أنفسهم ، بل في نفس كون الحقّ في مقام المقابلة والمجازاة كفاية في السلوة عند العارفين.
ولعلّ بالتأمّل فيما ذكر تقدر على استخراج سائر الخصوصيّات ، فلاحظ وتدبّر ، وعسى أن تجد فيه ما أخطأ فيه النظر القاصر ، والله الهادي.
(وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)
«يمهلهم فيأتي بهم برفق ، ويدعوهم إلى التوبة ، ويعدهم إذا تابوا (١) المغفرة. يعمهون ، وهم يعمهون لا يرعوون عن قبيح ، ولا يتركون أذى لمحمّد صلىاللهعليهوآله وعليّ
__________________
(١) خ. ل : «أنابوا».