وذكر جماعة أنّ : «العمه مثل العمي إلا أنّ العمي عامّ في البصر والرأي ، والعمه في الرأي خاصّة وهو التحيّر والتردّد ، لا يدري أين يتوجّه.» (١)
[في بيان حقيقة إمهال الله المنافقين ومدده على طغيانهم]
ثمّ إنّه إن أخذ يمدّ في الاية من المدّ بمعنى الامهال والاملاء فلا إشكال في نسبة ذلك إلى الله سبحانه ؛ إذ لو [لا] إمهاله وأناته وتمكينه إيّاهم ما قدروا على الطغيان والكفر والغي ، ولم يقع منهم ذلك.
ولعلّ السرّ في إعطاء المهلة لهم في هذه الحالة إتمام الحجّة عليهم ، خصوصا مع انضمام ما مرّ من دعوتهم إلى التوبة ووعد المغفرة على تقدير الانابة والتوبة.
وإن أخذ من المدد فربّما يتوجّه سؤال ، وهو أنّه : كيف يعطيهم المدد في الطغيان وهو من فعل الشياطين ، كما يظهر من قوله سبحانه : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ.)(٢)؟
وأجيب بالحمل على أنّهم لمّا منعهم الالطاف الّتي يمنحها المؤمنين ، وخذلهم بسبب كفرهم وإصرارهم عليه ، بقيت قلوبهم يتزايد الرين والظلمة فيها تزايد الانشراح والنور في قلوب المؤمنين ، فسمّي ذلك التزايد مددا ، وأسند إلى الله سبحانه لأنّه مسبّب عن فعله بهم بسبب كفرهم ، وعلى منع القسر والالجاء ، وعلى إسناد فعل الشيطان إلى الله سبحانه ؛ لأنّه بتمكينه وإقداره والتخلية بينه وبين إغواء عباده ، وقد سبق في البحث عن الختم على القلوب والاسماع ما يظهر منه الحال في الجواب عن الاشكال. (٣)
__________________
(١) نفس المصدر.
(٢) الاعراف / ٢٠٢.
(٣) ص ٤٤٦ ـ ٤٥٣.