[في ظهور آثار النّور والظّلمة في الدّنيا والآخرة]
ثمّ إنّ هذه النار المعنويّة مشتمل على نور يضيء ما حولها ، فان كان مستوقدها في باطن العالم وظاهره ظهرت آثار النور فيهما معا ، وبقي النور في الباطن بعد خراب البدن لبقاء محلّه ، وإن كان مستوقده الظاهر فقط ، كما هو شأن المنافق يشرق نوره على الظاهر ، ويحصل به المنافع الدنيويّة الظاهريّة ، ولم يرتفع نوره إلى الباطن ، بل يبطل النور الفطريّ بتلك الاعمال النفاقيّة ، ويرتفع ظلمتها إلى القلب ، ويستولى الظلمة عليه شيئا وشيئا من أثر تلك المعاصي الواقعيّة الظاهر بصورة الطاعات ، إلى أن يحيط الظلمة بعالم القلب ، فيصمّ ويعمي ويبكم ، ولا يرجع إلى خير أبدا.
وربّما يظهر أثر الظلمة الباطنيّة في عالم البدن لما بينهما من المناسبة والارتباط ، كما يشاهده الفطن في حال بعض الكفّار والمنهمكين في الفسق. وربّما يظهر عند الموت حسّا للحاضرين ، كما يحكى عن بعض المحتضرين ، وبعد الموت ينكشف ظلمته لنفسه وأهل ذلك العالم من كان حاضرا عنده تمام الانكشاف ، ويبقى الظلمة أبدا وينتهي إلى ظلمة جهنّم خالدا فيها.
فاذهاب الله نور فطرتهم بمعاصيهم ، وردعه عن تأثير الصور الظاهريّة في تنوير الباطن ، وإعدام النور بالمرّة عند فراق الدنيا كلّها مماثلة لحال المستوقد المذكور ، والمبالغات المذكورة في الظلمة المتروكة فيها كلّها آتية هنا على النهج الاتمّ والاكمل.
ثمّ إنّ التشبيه في الهيئة قد ظهر من تضاعيف ما ذكرنا ، ونقول أيضا : إنّ الحالين اشتركا في أنّهم غبّ الاضائة خبطوا في ظلمة ، وتورّطوا في حيرة ، ووقعوا في ظلمات لا يبصرون أصلا ، وخاب سعيهم ، وبطل كدحهم ، ولم يدم ما قصدوه بعد بروز وظهور.