[في بيان قدرة الله تعالى وإعطائه القدرة للنّاس]
وأمّا فعل قادر آخر فقد اختلفوا فيه ، فالمنسوب إلى الاشاعرة تجويزه بناء على أنّه لا تأثير لقدرة العبد إيجادا ، وأنّ جميع الممكنات مستندة إلى قدرة الله سبحانه ، فالفعل الاختياري للعبد قد تعلّق به قدرة الله تعالى إيجادا وقدرة العبد كسبا ، وإنّما الممتنع تعلّق القدرتين إيجادا ، كذا أورد بعض أفاضلهم. واختلف المعتزلة فيه ؛ فالمنسوب إلى «أبي الحسن البصري» تجويزه مطلقا ، وإلى الجمهور منعه بناء على امتناع قدرة غير مؤثّرة ، فلو كان مقدور بين قادرين لزم اجتماع المؤثّرين على أثر واحد. وأيضا لو أراد أحدهما الفعل والآخر الترك لزم اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما.
والذي نعتقده في المقام أنّه سبحانه قادر على مقدور العبد ، وأنّه إنّما يقدر باقدار الله إيّاه ، وهو فرع قدرته سبحانه ، فلو لا قدرته سبحانه لم يتحقّق للعبد قدرة ، بل لو لا كون الفعل مقدورا له سبحانه ، وكان عاجزا عنه امتنع إعطاء القدرة لمخلوقه عليه ، فانّ عادم الشيء كيف يكون معطيا له ، والوجدان شاهد بأنّ ما لم يدخل تحت سلطنة شيء لا يجوز أن يكون عطاء لغيره منه؟ وأنّ العبد لا حول له عن المعاصي ولا قوة له على الطاعات بل في كلّ شيء إلا بالله ، وأنّه «ما من قبض ولا بسط إلا ولله فيه المنّ والابتلاء والمشيّة والقضاء» كما ورد في الاخبار (١) ،
__________________
(١) مركب من خبرين رواهما الصدوق (ره) في التوحيد ، باب الابتلاء والاختيار ، ص ٣٥٤ ، ح ١ و ٢ ؛ الاول باسناده عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام ـ وهو : «ما من قبض ولا بسط الا ولله فيه المن والابتلاء.» والثاني باسناده عن الطيار ، عنه ـ عليهالسلام ـ وهو : «ما من قبض ولا بسط الا ولله فيه مشية وقضاء وابتلاء». وروى الثاني أيضا البرقي (ره) في المحاسن ، باب ٤٠ من كتاب مصابيح الظلم ، ص ٢٧٩ ، ح ٤٠٣ ؛ ونقله المجلسي (ره) في البحار ، ج ٥ ، باب التمحيص والاستدراج والابتلاء والاختبار ، ص ٢١٦ ، ح ٤ و ٥.