بالنسبة إلى الطبيب ، والفقير بالنسبة إلى الغني المتكفّل لحاله ، والرعيّة بالنسبة إلى السلطان والحاكم الشفيقين المحسنين العادلين المتحننين على من تحت حكمهما ، وسائر من أحسن إليهم أو دفع عنهم الضر بالنسبة إلى المحسن والدافع للضرر؟ فانّك تجدهم محبّين لهم ، راجين لهم ، خائفين منهم ، خاضعين لديهم ، منقادين لهم ، منقطعين إليهم بقلوبهم ؛ مع أنّهم ليسوا نافعين ولا دافعين للضرّ ، بل الله سبحانه المعطي الدافع ، وهم وسائط مسخّرة تحت حكم قضائه وقدره في عين اختيارهم كما نبّهنا عليه سابقا. وهم مع ذلك معاوضون على الحقيقة يريدون بفعلهم عوضا من مال أو جاه أو جزاء أو شكور ومدح أو دفع ذمّ أو جالبون به سكون الداعي القلبي الذي يزجرهم عليه.
فانظر الآن إلى معاملتك مع ربّك الواقعي ، كيف تعامله وتعبده وتنقادله ، وقايس ذلك بحال المذكورين وغيرهم بالنسبة إلى وسائط الربوبيّة ، حتّى يظهر لك حقيقة انحرافك طريقة الصواب وجادّة الانصاف ، وأنّه لا يمكن القيام بما يستحقّه سبحانه من حيث الربوبيّة فضلا عن سائر الجهات ، ولو بذلت كلّ مجهودك ، وصرفت غاية وسعك ؛ إذ جميع ما كانوا يفعلونه للوسائط مستند إلى جهالتهم بحقيقة الامر ، والتباس مصداق المحسن والدافع وغيرهما الواقعيّة بالصوريّة. فان كنت موحّدا لا ترى لك إلا ربّا واحدا جامعا لجميع شؤون الربوبيّة فجميع ما كان يصدر منهم بالنسبة إلى جميع الوسائط كان ينبغي صدوره منك بالنسبة إلى الحقّ سبحانه فضلا عن سائر الجهات الموجبة للطاعة ، فتبصّر ، هذا.
[معنى الخلق وكيفيّة اتّصاف الربّ به]
و «الخلق : التقدير ؛ يقال : خلقت الاديم إذا قدّرته قبل القطع. ومنه