وذلك لا ينافي الكرويّة التسامحيّة الّتي أثبت في الارض ، وإنّما ينافي الحقيقيّة ، وهي منتفية قطعا لما يشاهد فيها من الجبال والتلال والاودية المنخفضة.
ويرشد إلى ذلك الاستعلاء حكمهم بفوقيّة الشمال على الجنوب في حكم تقارب البئر والبالوعة ، وما ذكره بعضهم من أنّ «أكثر الانهار كدجلة والفرات وغيرهما تجري من الشمال إلى الجنوب».
والّذي ظهر في أنّ مجريهما وكثير ممّا سويهما مجريهما ممّا بين الشمال والمغرب إلى ما بين الجنوب والمشرق ، وهذا يوافق التفسير الثاني لمهبّ الشمال ، وهذا الارتفاع في السمت الشماليّ يوجب جريان الانهار منه إلى الجنوب ، فيمرّ المياه الموجودة في ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب ، وينتفع بها في الاراضي المتوسّطة والمتأخّرة ، ولولاه لسكنت في مكانها. وتوجب أيضا كون محلّ المياه المحتبسة في أقطار الجهة الشماليّة مرتفعة لتبعيّتها لقرار الارض في الارتفاع والانخفاض ، فتجري من باطنها إلى ظاهر الجهة الشماليّة ، ويلوح على وجه الارض فيها ، كما يظهر من ملاحظة قانون استخراج القنوات.
ومن جملة الحكم المعيّنة لكون الارتفاع لناحية الشمال دون ما تقرب من خطّ الاستواء أنّ موادّ المياه من الثلوج والامطار فيها أكثر وأدوم لكثرة الابخرة المتصاعدة وقلّة الحرارة المحللة ، فتوجد في الربيع والصيف فيها مياه كثيرة ، فتجري إلى سمت الجنوب في وقت شدة الحاجة إلى المياه في الزروع وغيرها ، ودون حوالي نقطة الجنوب ؛ لأنّ حضيض الشمس في البروج الجنوبيّة ، فيكون الابخرة المتصاعدة عند كون الشمس فيها إذا كانت البحار في الناحية الجنوبيّة أكثر من صورة العكس ، وتحليل الشمس للأبخرة الحاصلة في هواء ناحية الشمال عند الشتاء أقلّ ، فيكثر مواد الامطار والثلوج في الشتاء.
والظاهر عندي أنّ ارتفاع الناحية الشماليّة هو السبب في انكشاف معظمها