[في اندراج الجزئيّات تحت الكليّات وتطبيقها عليها]
ولعلّ المراد حينئذ أنّ لكلّ من المفردات والمركّبات بمعنى الحروف والكلمات أو بمعنى الكلمات والجمل معاني محدودة جزئيّة ، وحقائق كلّيّة ، فتحصّل من تجريد الجزئيات عن الخصوصيّات الّتي لا دخل لها في نفس تلك الحقيقة وعن تعلّق الحكم بها كما سبق فيما قبله ، فانّ الّذين نزل فيهم الآية لهم خصوصيّات لا دخل فيها لما حكم في الآية عليهم ، وإنّما مناط الحكم هو القدر المشترك الحاصل فيهم ، وفيمن كان له مثل أعمالهم ، فانّ الجزئيات كلّها تندرج تحت قاعدة كليّة هو المعوّل عليها ، فيعمّ الافراد الماضية والآتية ، فكلّما جاء موضوعه الكلّيّ في ضمن فرد من الافراد وقع عليه المحمول الكلّيّ ، كالشمس والقمر ، فانّهما ينيران ويظهران كلّ جسم كثيف قابلهما ، فلا اختلاف فيهما ، وإنّما الاختلاف من جهة تقابل الاجسام لهما ، كذلك لكلّ خبر أو إنشاء تعلّق بموضوع جزئيّ حقيقيّ ، فانّما يتعلّق من حيث عنوان كلّيّ هو المناط الّذي لا تبديل فيه ولا تغيير ، وسائر الخصوصيّات المشخّصة لا دخل لها بذلك الحكم ، و (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ)(١) سبحانه و (لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً.)(٢)
ولعلّه لذا ورد في رواية المعلّى السابقة (٣) أنّ : «القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم ، ولقوم يتلونه حقّ تلاوته ، وهم الّذين يؤمنون به ويعرفونه ـ الحديث» وفي رواية محمّد بن مسلم السابقة : (٤) «والقرآن ضرب فيه الامثال للناس ـ إلى آخره» فانّ المثل يطلق كثيرا على ما يفيد حال مماثله بتوسط الامر الجامع بينهما ، الّذي
__________________
(١) يونس / ٦٤.
(٢) فاطر / ٤٣.
(٣) راجع المقدمة الثانية ، ص ٣٩.
(٤) راجع المقدمة الثالثة ، ص ٦٠.