[إرادة الكلّيّ من إيراد الجزئي]
وقد جرت طريقة العقلاء والعلماء على بيان الامور الكليّة في ضمن الامثلة الجزئيّة ؛ كقول «ابن مالك» : (١)
مبتدء زيد وعاذر خبر |
|
إن قلت زيد عاذر من اعتذر |
في مقام بيان المبتداء والخبر بعنوان كلّي ، وقيل في شأنه : «إنّ من عادته الحكم بالمثال.» فلاحظ أنّ زيدا ليس مبتداء لكون مادّته هو الحروف الثلاثة ولا كونه على زنة فعل ، بل لمعان اخرى أو معنى آخر هو المقصود بالبيان.
وتحقيق ذلك أنّ كلّ محمول خارج عن ذات الموضوع ، ولا لازم لمهيّته ، فانّما يعرضه لعلّة موجبة لعروضه ، ولا بدّ من أن يكون للموضوع اختصاص لذلك العلّة من حيث أنّها علّة موجب لتأثيره في إلحاق ذلك المحمول عليه. فالموضوع الواقعيّ هو الوصف العنوانيّ المنتزع من ذلك الاختصاص الناعث ، وسائر الخصوصيّات الذاتيّة والعرضيّة خارجة عن موضوع الحكم في الواقع لا دخل لها في عروضه ، فاذا قال لابنه : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ)(٢) فالمخاطب ذلك الشخص الخاص ، لكن صورة النهي الارشادي لم يتعلّق به إلا من حيث كون الشرك ظلما عظيما ، وكون لقمان شفيقا عليه لا يرضى بصدور الظلم منه ، فكلّ موجود كان شركه ظلما عظيما وكان شفيقا عليه اندرج تحت العنوان الواقعيّ وإن خرج عن الصورة.
وإذا جرّدت النهي عن الناهى ولاحظت أنّ ذلك الفعل بحيث ينبغي النهي عنه ، الّذي هو حقيقة النهي الارشادي ، سقط اشتراط الشفقة ، والقضيّة حينئذ أن كلّ شيء كان شركه ظلما عظيما ، فينبغى تحذرّه عنه وامتناعه منه.
__________________
(١) راجع الفية ابن مالك ، باب الابتداء.
(٢) لقمان / ١٣ ، وهي : «وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.»