[في كثرة العوالم وأنّ لكل شيء حقيقة في كلّ واحد منها]
ثمّ اعلم أنّ العوالم كثيرة ، ولكلّ شيء حقيقة في كلّ عالم من العوالم ، ولكلّ صورة معنى ، وكما عرفت حال المفاهيم الجزئيّة والكلّيّة بمراتبها ، فقس عليه حال العوالم من حيث الضيق والسعة ، وسرعة الانقضاء وبطئها ، والثبات وعدمه وكما أنّ لزيد وجودا في الخارج ، ووجودا في الحسّ المشترك ، ووجودا معنويّا في الوهم ، ووجودا متوسّطا في المتخيّلة ، ووجودا كلّيّا في العقل ؛
والاوّل ، جزئيّ حقيقيّ يمتنع فرض الاشتراك فيه مقترن بمادّته الجسمانيّة.
والثاني ، مجرّد عن المادّة مقترن بما اكتنفه من الخصوصيّات.
والثالث ، مجرّد عن الخصوصيّات الصوريّة ملبوس بالمعاني الكائنة فيه.
والرابع ، ملبوس بهما معا.
والخامس ، مجرّد عن جميع المشخّصات وجميع اللواحق الّتي لا دخل لها في نفس تلك الحقيقة الكلّيّة من المعاني والصور.
مع اختلاف ما سوى الاوّل من المراتب في مقدار التلبّس والتجرّد ، فربّما يلاحظ العقل حقيقة الشيء مجرّدا عن جميع ما سواه ، وربّما يلاحظه ملبوسا بعوارض كلّيّة ، فيكون التصوّر على الاوّل النوع ، وعلى الثاني الصنف ، واللواحق والخصوصيّات لها كلّيّات متصوّرة بالعقل ، ومعان مدركة بالوهم ، وصور مدركة بالحسّ ، ولها ضمّ وتفريق يحصلان بالمتخيّلة.
وكما أنّك إذا أبصرت زيدا ارتسم صورته في الحسّ ، ثمّ معناه في الوهم ، ثمّ الجميع في المتخيّلة ، ثمّ تمام حقيقته في العقل ، كذلك يوجد حقيقته الكلّيّة أوّلا في عالم من عوالم الوجود ، ثمّ معانيه في آخر ، ثمّ الجامع لهما في ثالث أو في حدّ مشترك بين عالمين ، ثمّ صورته مجرّدة عن المادّة في رابع ثمّ المتلبّس بالمادّة العنصريّة في هذا العالم. والاوّل في عالم العقل ، والثاني في