بسم الله الرّحمن الرحيم
كتاب مرآة الحقائق في تأويل بعض الأحاديث والآيات مما أبدى الله القدير لقلب عبده الفقير (الشيخ) : إسماعيل حقي شرّفه بالتجلّي الحقي ، ومزيد الترقّي ، ووقع البدء في أواسط سنة ١١٢٥ ه.
سورة الفاتحة
قال الله تعالى في فاتحة الكتاب : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ١].
اعلم أن الحمد في مقام النعمة ؛ بمعنى : الشكر كما دلّ عليه قوله صلىاللهعليهوسلم :
«اللهم لك الحمد شكرا ، ولك المنّة فضلا» (١).
فإن قوله : (شكرا) ؛ كالتفسير للحمد ، وكذا قوله : (فضلا) ؛ كالتفسير للمنّة.
فإن المنّة قد تكون بمعنى الامتنان ، وقد تكون بمعنى الافضال كما في قولهم : المنّة لله ، فإنه بمعنى الحمد لله ؛ بل بمعنى الشكر لله ، فالفرق بين الحمد والشكر : إن الشكر لا يكون إلا في مقابلة النعمة كما سبق ، فيطلب زيادتها بالشكر ، ولا يكون في مقابلة المحنة ؛ لأن الشكر في معنى طلب المزيد.
كما قال تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم : ٧].
ولا معنى لطلب زيادة المحنة ؛ بل هو منهي عنه كما دلّ عليه قوله : «لا تتمنوا لقاء العدو» ، وقوله : «واسألوا الله العافية» (٢) ، بخلاف الحمد ، فإنه الله تعالى يحمد على السّراء والضرّاء ، فيؤل إلى معنى الصبر بمعنى : إن العبد ينبغي أن يصبر على المحنة ؛ فإنها من الله تعالى ، وفي ظهورها ظهور كمال الله تعالى.
والله تعالى يحمد على كماله سواء كان في صورة النعمة أو لا ، فإن كان الحامد من الأكامل ؛ فيجوز أن يكون حمده على المحنة شكرا ؛ لشهوده فيها النعمة ؛ بل يكون حمده إظهار الكمال لله تعالى من غير ملاحظة النعمة والمحنة ؛ لغيبته عن كل منهما ، واستغراقه في الله تعالى.
قال تعالى : (رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢].
__________________
(١) رواه الطبراني في الكبير (١٩ / ١٤٤) ، والبيهقي في الشعب (٤ / ٩٦).
(٢) ـ رواه البخاري (٣ / ١٠٨٢) ، وأحمد (٤ / ٣٥٣) ، والدارمي (٢ / ٢٨٥).