لم يقل : الحمد لرب العالمين الله ؛ لكون الربوبية تلو الألوهية دون العكس ؛ فإن الألوهية كالسلطنة ، والربوبية كالوزارة ، فالسلطان مظهر الاسم الله ؛ لكمال جمعيته ، والوزير مظهر الاسم الرب ؛ لكونه في مقام التربية للعالمين ؛ كالروح والعقل ، فإن القوى والأعضاء إنما تقومان بهما ، وبهما كمال ترتبيهما ، فكما أن تعيّن الروح قبل تعيّن ما دونه ؛ فكذا تعيّن الألوهية ، ونظير ذلك الشمس مع القمر ، فإن الشمس أقدم في الوجود ؛ كتقدّم الأب على الابن (١).
والحاصل : إن الألوهية باطن الربوبية ، فالأولى مظهر الاسم الباطن ، والثانية مظهر الاسم الظاهر ، وكذا الحق باطن الخلق ، والشمس باطن القمر ، والأب باطن الابن ، والروح باطن الجسم ؛ فالظاهر مرآة الباطن في كل ذلك ؛ وإنما جعلوا الرب الاسم الأعظم أيضا ، وفي مرتبة الجلال من حيث جمعيته ؛ لأن الألوهية والربوبية لا تختصان بألوهية بعض دون بعض ، وبربوبية بعض دون بعض ، وباسم دون اسم ، وبلطف دون قهر وبالعكس ، فللسلطان الجمال والجلال ، وللوزير التربية بكل من اللطف والقهر ، فجمعية السلطان إنما تظهر في المراتب التي دون السلطنة فاعرف ذلك (٢).
__________________
(١) قال القطب القونوي : أظهر مراتب الحمد : «مرتبة الأفعال والأسماء» التي متعلقها «مرتبة الفعل» ، وهو في مرتبة الصفات وأسمائها يكون مدحا لا حمدا ، فإن بقيت الصفة فللوجه الجامع الرابط بين مرتبة الصفة والفعل.
والحمد المتعلق بالذات هو حمد الحمد وهو ثناء الصفة بنفسها لمن هي صفة ذاتية له غير مفارقة ولنفسها أيضا.
وأظهر مراتب الحمد مرتبة الأفعال والأسماء التي متعلّقها مرتبة الفعل ، وهو في مرتبة الصفات وأسمائها يكون مدحا لا حمدا ، فإن بقيت الصفة ؛ فللوجه الجامع الرابط بين مرتبة الصفة والفعل.
والحمد المتعلّق بالذات : هو حمد الحمد ، وهو ثناء الصفة بنفسها لمن هي صفة ذاتية له غير مفارقة ولنفسها أيضا. وانظر : النفحات (ص ٩٨) بتحقيقنا.
(٢) والحمد عند هذه الطائفة إظهار صفات الكمال ، ولا كمال إلا للحق تعالى سواء لوحظ بعين