بسم الله الرّحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أوضح الطريق لسلوك عباده إليه ، وفتح باب دعوته لدخول أوليائه عليه ، واختصهم لحضرته ؛ فمن مجالس ومؤانس وقائم بين يديه ، كل ذلك ضربا للأمثال ليفهموا ، ولا يصل الفهم ولا العقل إليه ، تعرف لهم ، فبه عرفوه ، ووصف لهم ذاته العلية فبالوصف الذي وصفها لهم به وصفوه ، وطهر قلوبهم من الأغيار ، فما أنسوا بغيره ولا ألفوه ، وخرق أسماع قلوبهم خطابه فأسكرهم بلذيذ ذلك الخطاب ، وتجلت لهم صفات جماله فذهلت منهم العقول وطاشت منهم الألباب ، وأسطلهم الدّهش ، فحاروا وعجزوا عن رد الجواب ، فلو لا ثبتهم في ذلك المقام وردهم بعد الصحو والاصطلام ، فلاطفهم بلطائف ذلك الكلام لصار بناؤهم إلى الانهدام واندرست تلك الرسوم والأعلام ، ولسارع على وجودهم الاضمحلال والانعدام.
وبعد ...
فهذا كتاب مرآة الحقائق لسيدي إسماعيل حقي ـ قدس الله سره ـ من أعظم مصنفاته بعد التفسير «روح البيان» حيث جمع فيه كاتبه من واردات الشيخ في القرآن والحديث ، والخواطر والأحوال ، ما عظم أمره ، وجلّ قوله.
فكان الشيخ المصنف تابعا متحققا بمدرسة الشيخ الأكبر ـ قدس الله سره ـ فانطبع ذلك عليه في كتبه ، فخرجت يفيح منها المسك الأذفر ، ويبدو عليها خاتم الختم والكبريت الأحمر ، فكانت نقية صافية لما قبلها صاحب السر الأطهر.
وهذا الكتاب أصوله من محفوظات ـ دار الكتب المصرية ـ ويعتبر من نوادر المخطوطات ، كانت أوراقه متناثرة ، ومبعثرة ، وبها الكثير قرابة الربع من الخط التركي وبعض الفارسي ، فضلا عن تداخل الواردات ، من قرآن وحديث ، فلم تكن مرتبة ، ولا منسقة كما يظهر إليك هكذا ، وكذلك دقة الخط وغرابة طريقة كتابته ، ووجود بعض الألفاظ التركية والفارسية ، التي آثرنا عدم إيرادها ليبدو النص عربيّا ، فضلا عن عدم وضوحها في الأصل كثيرا.