وقد قال تعالى من الشجرة أنا الله ، والإنسان أفضل منها ، فإذا قال أهل التجلّي : أنا الحق ؛ فهو في مقابلة أنا الباطل.
ولا شك أن الوجود كله حق ، ولا بطلان إلا بالإضافة ؛ كبطلان مظاهر اسم المضلّ بالنسبة على حقيّة مظاهر اسم الهادي دلّ على ما قلنا قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [الحجر : ٨٥].
فالكل ؛ هو الحق المخلوق به ، وهذا الحق لا يفنى ولا يزول أبدا ؛ لأنه تجلى إلهي أحدي سار في جميع الكائنات كما دلّ عليه قوله تعالى :
(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] : أي كل شيء من الأشياء
__________________
ـ معنى قول الشيخ الأعيان الثابتة : أي في العلم ما شمت رائحة الوجود : أي في العين.
ثم قال : والحقيقة لا تدري إلا بمنحة منك وكشف عنها ، فهناك يكون الإدراك بك وإذا كان بك فلا إدراك ، أو يكون أراد بالحقيقة الحقيقة الإلهية.
وهي كما قال رضي الله عنه : فالأنبياء والمرسلون لا يدركون كنه الذات العلية ؛ بل عمّ بالنظر إلى الكنه في حيرة جليّة ، وأمّا التجليات الواقعة في الدنيا والآخرة فلا تخرج عن رتبة التقييد والتجليات المطلقة ، فلا حظّ للعبد فيها إلا أن رتبة التقييد وإدراك التجلّي المطلق لا يتخلص للعبد على ما حققه الشعراني رضي الله عنه في «ميزان الذرية» إلا عند فنائه لا في حال بقائه مع الحق ، وحينئذ فما رأى إطلاق الحق إلا الحق فافهم.
قال : وإيّاك والغلط ، فإنه لا حلول ولا اتحاد ولا يلحق عبد رتبة الحق أبدا ولو صار الحق سمعه وبصره وجميع قواه ، فإن الحق تعالى قد أثبت عين العبد معه بالضمير في قوله في الحديث القدسي : «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» ، إلى آخر النسق ، فإن قيل أن كلام الحق تعالى قديم.
وقد قال : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ)[الحديد : ٤].
وهذا يشعر بأنّا معه في الأزل ، كما يقول بذلك الفلاسفة.
قلنا : التحقيق أن العالم قديم في العلم الإلهي ، حادث في الظهور.
فشهود الحق في رتبة التقييد ، يخص الحق تعالى به أفراد العبيد ، ولشهود الحق علامة فمن شهدها في نفسه كان في قوله صادقا ، وإلا كان مبطلا لدعاويه الكاذبة موافقا.
قال سيدي محيي الدين رضي الله عنه في باب «الوصايا» : «اعلم أن علامة من يدّعي أنه يشاهد الحق تعالى إذا عكس مرآة قلبه إلى الكون ؛ يعرف ما في ضمائر جميع الخلق ويصدق الناس على ذلك الكشف».