ثم إن دوام الطاعة : إشارة إلى مرتبة الشريعة ؛ وهي ما يتعلّق بالظواهر ، وما يعالج بالأبدان ، والحواس الظاهرة ، وهي ذرائع الكمالات الباطنة.
فكل ما هو وسيلة إلى الكمال في نفسه ؛ كعلم الظاهر ، والعمل به ؛ فإنه وسيلة إلى العلم اللدني على ما دلّ عليه قوله : «من عمل بما علم ؛ ورّثه الله علم ما لم يعلم» (١).
فمن لا عمل له بالشريعة على الدوام : أي إلى آخر العمر فهو الذي يقال له : الملحد ، فإن دعا إلى إلحاده ؛ فهو مقتول بسيف الشريعة والحقيقة جميعا ؛ لأن الله تعالى ما جعل التجليّات الوجودية إلا للتجليّات الشهودية (٢).
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (١٠ / ١٥).
(٢) ولمّا كانت الشرائع مقدمات علميات وعمليات ، وعلمها يفيد معرفة وظائفها ، والعمل بوظائفها يزيل الحظوظ النفسانية ، ويميت الشهوات البدنية ، ويقطع الروابط العادية ، ويجرد الإنسانية ، ويكشف الحضرة الرحمانية : وهي حضرة الحق ، وحضرة الحق : هي الحضرة الجامعة لحقائق الأكوان ، وهي بد كل شيء ووجوده ، وهي الماهية التي توجد فيها كل ماهية من حيث التقويم والتتميم ، قال : فيها نتيجة الشرائع.
وتقول : علم الشريعة : مقدمة العمل بوظائفها ، والعمل بوظائفها : مقدمة لرضوان الله يقيم العبد في حضرته ، فعلم الشريعة ، والعمل بها ؛ يقيم العبد في حضرته ، فحضرته هي نتيجة الشرائع ، وحضرته فيها كل شيء ، فهي الحقيقة الجامعة.
ونقول : الشريعة : تحمل لرضوان الله ، ورضوانه ؛ صفته ، والصفة لا تفارق الموصوف ، والموصوف : هو الله ، فالشريعة تحمل إلى الله ؛ فالله هو نتيجة الشرائع بالوجه الذي ذكرنا.
ونقول : الأعمال الشرعية إذا عمل بها على التمام ؛ تفيد التخلق بالأسماء الحسنى ، والمتخلق بالأسماء إذا تجوهر بها ؛ تكون الأسماء ذاته وروحه ، والأسماء صفات الله ، وصفاته غير زائدة على ذاته ، فالمتخلق بالأسماء ليس بزائد على ذات الله ، فالظفر بالحق والاتصال به هو نتيجة الشرائع.
ونقول : أول وظيفة من وظائف الشريعة : هي كلمة لا اله إلا الله ، وتتضمن أن لا فاعل إلا الله ، فكل موجود في الكون الله أوجده من حيث هو فاعله ، والفاعل لا يفارق مفعوله ، وهو معه بالإيجاد والإبقاء ، ولا وجود للشيء إلا به ، فهو الأصل الضروري في وجود كل شيء ، ولكل شيء حقيقة ، وهو وجوده الذي هو به ما هو ووجود كل شيء ، الذي هو به ما هو هو به ، ومنه وعنه وإليه ، هو حقيقة كل شيء وماهيته ووجوده ؛ فالله : هو الحقيقة الجامعة ، كما تقدم من قول سيدنا رضي الله عنه.