__________________
ـ من يرى أنه عند الله كما هو في الحكم.
ثم قال بعد كلام طويل : فعين الشريعة عين الحقيقة ، والشريعة حقّ كلها ، ولكل حقّ حقيقة ، فحق الشريعة وجود عينها ، وحقيقتها ما ينزل في الشهود منزلة شهود عينها في باطن الأمر ، فيكون في ذلك الباطن كما هي في الظاهر من غير مزيد ، حتى إذا كشف الغطاء لم يختل الأمر على الباطن.
ثم قال : فما ثمّ حقيقة تخالف الشريعة ؛ لأن الشريعة من جملة الحقائق ، والحقائق أمثال وأشباه ، والشرع ينفي ويثبت ، فتقول : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وهذا قول الحقيقة بعينه ، فالشريعة هي الحقيقة.
وأطال في ذلك. وقال فيها أيضا : ومن جملة آداب الحق ما نزلت به الشرائع.
وقال : لما كان الأمر العظيم يجهل قدره ولا يعلم ، ويعز الوصول إليه ، تنزلت الشرائع بآداب التوصل ؛ ليقبلها أولوا الألباب ؛ لأن الشريعة لب العقل والحقيقة لب الشريعة ، فهي كالدهن في اللب الذي يحفظ القشر ، فاللب يحفظ الدهن والقشر يحفظ اللب ، كذلك العقل يحفظ الشريعة والشريعة تحفظ الحقيقة ، فمن ادّعى شرعا بغير عقل لم تصح دعواه ، فإن الله تعالى ما كلف إلا من استحكم علقه ، ما كلف مجنونا ولا صبيّا ولا من خرف ، ومن ادّعى حقيقة من غير شريعة فدعواه لا تصح.
ولهذا قال الجنيد : (علمنا هذا يعني علم الحقائق الذي نجا به أهل الله مقيّد بالكتاب والسّنة : أي أنه لا يحصل إلا لمن عمل بكتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك هو الشريعة ، وقال : إن الله أدبني فأحسن أدبي ، وما هو إلا شرع له ، فمن تشرّع تأدّب ، ومن تأدّب وصل).
وقال سيدي عبد الله بن أسعد اليافعي رحمهالله تعالى في نشر المحاسن :
اعلم أن الشريعة الشريفة المنيفة مشتملة على قسمين : علم وعمل ، ثم العلم من حيث الجملة على قسمين : ظاهر وباطن.
والظاهر على قسمين : شرعي وغير شرعي.
والشرعي على قسمين : فرض ومندوب.
والفرض على قسمين : فرض عين وفرض كفاية.
وفرض العين على ثلاثة أقسام : علم صفات القلب ، وعلم أصل ، وعلم فرع.
وقد مثلت لهذه الأقسام وغيرها من أقسام العلوم ، وبيّنت المحمود منها والمذموم ، وأوضحت ذلك في خاتمة كتاب شرح التوحيد.
والقسم الثاني من التقسيم الأول وهو العمل على قسمين : عزائم ورخص. إذا علم هذا فاعلم أن الحقيقة ذات المعاني الرقيقة والعلوم الدقيقة مشتملة أيضا على قسمين : علم وعمل.
والأول منها على قسمين : وهبي وكسبي.