ثمّ اعلم : أنّ التجرّي على أقسام (٤٩) يجمعها عدم المبالاة بالمعصية أو قلّتها ، أحدها : مجرّد القصد إلى المعصية. ثانيها : القصد مع الاشتغال بمقدّماته. وثالثها : القصد مع التلبّس بما يعتقد كونه معصية. ورابعها : التلبّس (٥٠) بما يحتمل كونه معصية رجاء لتحقّق المعصية به. وخامسها : التلبّس به لعدم المبالاة بمصادفة الحرام. وسادسها : التلبّس برجاء أن لا يكون معصية ، وخوف أن يكون معصية.
ويشترط في صدق التجرّي في الثلاثة الأخيرة : عدم كون الجهل عذرا عقليّا أو
______________________________________________________
لا يقال : إنّ الحمل على المبالغة خلاف الظاهر. لأنّا نقول : إنّه لا بدّ من ارتكاب ذلك على كلّ تقدير ، فلا قرينة على التعيين ، فتأمّل.
وأمّا الرابعة فإنّ الظاهر من الآية هو التهديد والإيعاد على إرادة العلوّ والفساد بما يصدر عنهم من الأفعال والحركات ، لا على مجرّد الإرادة ، وهو واضح على المتأمّل.
٤٩. قد ذكر للتجرّي ستّة أقسام ، الثلاثة الاول منها مندرجة متصاعدة ، بمعنى كون اللاحق آكد من سابقه ، والثلاثة الأخيرة مندرجة متنازلة على عكس ما ذكر. ثمّ إنّ القسمين الأوّلين يشملان ما لو ارتدع بنفسه أو بالعجز والموانع الأخر. وكذلك الاعتقاد في القسم الثالث أعمّ من الجزم والظنّ المعتبر ، وإن كان ظاهره هو الأوّل. وكذلك الاحتمال في الأقسام الثلاثة الأخيرة لا بدّ أن يراد منه الأعمّ من الوهم والشكّ والظنّ غير المعتبر. وبما ذكرناه يتكثّر الأقسام ، ولكن اصولها ستّة. وأمّا التجرّي بارتكاب الحرام الواقعي فإنّه وإن كان جرأة على الله تعالى بل أقواها وداخلا في جملة الأقسام ، فإنّ المراد به في المقسم معناه اللغوي ، إلّا أنّ المصنّف لم يتعرّض له ، لعدم كونه مقصودا في المقام ، لعدم الإشكال في كون مثل هذا المتجرّي مستحقّا للعقاب بضرورة من العقول والأديان.
٥٠. كشرب أحد الإناءين المشتبهين بالخمر مثلا رجاء لكونه خمرا ، أو لعدم المبالات به ، أو رجاء أن لا يكون خمرا ، وخوف أن يكون خمرا.